الفلسطينيون: من الاتفاق إلى التوافق

بتوقيع الرئيس محمود عباس والأخ خالد مشعل إعلان الدوحة، يكونان قد خطوا خطوةً جديةً وحاسمةً على طريق إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني، ذلك أنه ستكون هناك ـ بعد أيام قليلة ـ حكومة فلسطينية واحدة وموحدة، للمرة الأولى منذ نحو خمس سنوات. كما أن هذه الحكومة سوف تقودهم إلى انتخابات عامة ورئاسية، هي الانتخابات التشريعية والرئاسية الثالثة التي تجري منذ إنشاء السلطة الفلسطينية قبل نحو ثمانية عشر عاماً.

وحكومة التوافق التي سيعلن عنها بعد أيام معدودة ستكون عملياً الحكومة الثانية التي تمثل إجماعاً داخلياً، كذلك ستكون الحكومة الأولى التي يرئسها الرئيس شخصياً، وإن كانت الحكومات السابقة في عهد أبو عمار كانت برئاسته إلى أن تم "استحداث" منصب رئيس الوزراء إلى جانب منصب الرئيس، وكانت المفارقة أن الرئيس الحالي "أبو مازن" كان هو أول رئيس للحكومة الفلسطينية.

الحكومة ستكون ـ ربما ـ أول حكومة فلسطينية "محددة المهمات" ومعلن عن أن عمرها سيكون قصيراً قبل أن يعلن تشكيلها، ذلك أن مهمتها محددة بإجراء الانتخابات وإعمار غزة، اللافت أن إعلان الدوحة، تضمن واحداً من السيناريوهات أو المقترحات العديدة التي سبق وقدمت من أجل تشكيل حكومة توافق بين فتح وحماس، لتجاوز عقدة تنفيذ أو تطبيق اتفاق المصالحة، الذي أبرم بين الجانبين منذ نحو عام مضى، وحيث إن حماس كانت تصر على أن يكون رئيس الحكومة من المقربين منها، وأن يكون من غزة، لإحداث حالة توازن بين الحركتين على مستوى الرؤوس القيادية، وجاء التوافق في الدوحة، على عكس ما كانت ترغب فيه، فإن السؤال هو: ما الذي جعل حماس تقبل بما كانت تتحفّظ عليه من قبل. وأي ثمن قبضته من أجل "التنازل" عمّا كانت تعتبره حقها في تسمية رئيس الوزراء، خاصة أنها الكتلة البرلمانية الأكبر في المجلس التشريعي؟.

عملياً، أن يشغل الرئيسُ عباس شخصياً منصبَ رئيس الوزراء فهذا يعني أنه وبالنظر إلى حالة التوافق التي كانت بينه وبين الدكتور سلام فياض، فإن الجانب الذي عليه الرئيس (أي فتح) احتفظ بهذا المنصب، وربما أن سطوته على المنصب صارت أكبر، لكن ذلك من شأنه أن يرضي الأطراف كافة، بما فيها سلام فياض نفسه، كيف؟

أولاً، لأن فتح ستشعر بأنها ضربت عصفورين بحجر واحد، فهي فازت بهذا المنصب على اعتبار أن الرئيس فتحاوي، وبذلك تكون أخيراً قد نجحت في مساعيها لتغيير فياض بعد أن عجزت عن احتوائه أو تحويله إلى "صراف آلي" لديها. وتكون حماس أيضاً قد حققت "أهون الشرين" أي احتفاظ فياض بالمنصب، حيث لا تحتمل حماس هذا الخيار، لأن ذلك سيظهرها وكأنها رضخت لفتح، وهي كانت تفضل أن يتم "حل الحكومتين اللتين شكلتا في فترة الانقسام، وليس حكومتها فقط، أما منح المنصب لفتحاوي آخر أو ـ بالطبع ـ لمقرب من فتح، فما كان يغيّر من الأمر شيئاً، وبهذا الشكل تكون حماس أكثر قدرةً على طلب المقابل لهذا الموقف الذي كان من شأنه أن يطلق عملياً وفعلياً، تنفيذ اتفاق المصالحة وإعادة اللحمة الداخلية والوحدة الوطنية.

الشكل الوحيد الذي كان يمكن فيه أن يقبل فياض بكونه وزيراً للمالية هو أن يتولى أبو مازن شخصياً رئاسة الحكومة، بما يعني أولاً أنه ـ أي فياض ـ يمكنه أن يبقى في الحكومة ولن يشعر بأي حرج، فيما لو أن الأمر تم ـ أي إبقاءه وزيراً للمالية ـ مع رئيس حكومة آخر.

حماس وفتح تريدان استمرار تدفق أموال ومعونات المانحين الأوروبيين ـ خاصة ـ وهذا سيكون أسهل في حال كان أبو مازن رئيساً للفلسطينيين، وفياض وزيراً لماليته، كما أن تولي الرئيس شخصياً منصب رئيس الحكومة، مع وجود نائب أو أكثر له ـ كما هو مقترح ومتوقع ـ سيعني أن فياض على الأغلب هو الاسم المرشح لهذا المنصب.

في الحقيقة، فإننا نتوقع أن تحدث الخطوة ارتياحاً في أوساط كل الفلسطينيين، لأنها ترضي الجميع، وإن كانت قد نقلت طرفي فتح وحماس من دائرة الاتفاق الذي يكون عادة مظهره الرئيس رسمياً، حتى وإن كان أحد الأطراف غير راض عنه، إلى دائرة التوافق، وهذا يكون عادة أثبت وأبقى لأنه يحقق رغباتهما وأفكارهما، دون إكراه من أحد. كذلك فإن منح فياض منصب نائب رئيس للحكومة، سيعني بقاءه في مجلس الوزراء فاعلاً ومطلعاً على قرارات رئيس الوزراء، وأنه لن يكون هناك قطع على عمل الحكومة، خاصة على صعيد الخدمات، والاستمرار في تنفيذ المشاريع العامة والتي كانت ضمن برنامج فياض في الحرية والاستقلال.

رغم كل هذا، فإنه لابد من التساؤل، كيف ولماذا قبلت حماس هذا "الحل" الآن قبل نحو ثلاثة أشهر فقط من الموعد الذي حدده اتفاق القاهرة الخاص بالمصالحة، لإجراء انتخابات عامة، إن لم تحدث فبركة، لأن حماس لن تتحمل مسؤولية عرقلتها بل الاستحقاقات الفنية، حيث ستظل تحتفظ بأغلبيتها النيابية الحالية!، وإن جرت، فالبركة ربما تكون أقل، لكن حماس تراهن على أنها أولاً تتغطى بعباءة الشرعية وثانياً أن يكون حصول الإسلاميين العرب على أغلبية المقاعد قوة دفع لها حتى لا تستثنى من القاعدة،

مع ذلك فمما لا شك فيه أنها ـ أي حماس ـ ستنال مقابل هذا الموقف، على صعيد حريتها في التحرك، أو من خلال إسقاطها من قائمة الإرهاب. أو من خلال مكاسب حكومية عند اعتماد أسماء الوزراء المرشحين.

وربما أن حماس تكسب من خلال إظهارها للفلسطينيين، تفضيلها تقديم التضحيات الأساسية في سبيل احترام مشاعرهم ورغباتهم.

أهم ما كسبته حماس برأينا أمران: الأول أنها قطعت بإعلان الدوحة الطريق على احتمال أن تكون خطوات أبو مازن ضد إسرائيل، ليس أكثر من تكتيك سياسي، وان الهدف من الظهور مع حماس على طاولة واحدة وأنهما في طريقهم لأن يضربوا على قلب رجل واحد، ثم ثانياً التأكيد على أن تساهل حماس في قضيتي الحكومة والانتخابات، في الوقت الذي يرفع أسهمها في الشارع الفلسطيني، فإنه يجعل من حقها الحصول على مقابل.

هل يكون هذا المقابل، أموالاً تهدف لإعمار غزة ؟ أم شراكة حقيقة في قيادة (م.ت.ف)، وربما في كل الهيئات القيادية للنظام السياسي الفلسطيني، وهذا سيظهر في مناسبتين: الأولى عند تشكيل الحكومة وإعلانها، حيث من المستحيل أن يكون هناك وزراء مقربون من حماس أقل من المقربين من فتح، والثانية عند إعادة تفعيل أو تشكيل (م.ت.ف)، وملاحظة كم من أعضاء قياديين، كذلك كم من السفارات والمناصب العليا ستحصل عليها حماس.

بعد ذلك تأتي دلالة أن يجري إعلان التوافق على عقدة تنفيذ اتفاق المصالحة الموقع منذ أكثر من عام في الدوحة القطرية، بمثابة تأكيد على مكانة قطر ـ الدولة الصغيرة بعدد سكانها ومساحتها الجغرافية الإقليمية، تلك المكانة متزايدة التأثير بما يعتبر أن حماس قدمت ورقة لهذه الدولة التي ستقود أولاً عملية إعمار غزة وثانياً استكمال تنفيذ بنود الإعلان ـ إعادة تفعيل (م.ت.ف)، وأن حماس لم تعد تخش إجراء انتخابات عامة بعد أن نجح إخوان مصر وتونس والكويت ومن قبلهم إخوان المغرب في الفوز بأغلبية المقاعد النيابية، الأمر الذي يمكن أن ينطبق أيضاً على حماس.

Rajab22@hotmail.com