في وداع أحد الملوك !

عندما هممت بمغادرة جوهانسبرج بعد مشاركة سريعة في ندوة للأمم المتحدة في العام 2007 فوجئت بعدد الأشخاص الذين جاؤوا ليلقوا السلام على أحد الأصدقاء.

البعض عانقه والبعض الآخر حدثه عن محطات التقاه فيها. عندها استدرت وبهمة عالية وقلت لصديقنا بأنه يستحق لقب ملك افريقيا.

تبادلنا الضحك وانطلق صاحبنا ليذكرني بأنه قد قضى جل عمره في القارة السمراء ليغادرها إلى إيرلندا قبل أن ينازعه الحنين فيعود إلى جنوب أفريقيا.

علي حليمة السفير الفدائي والفارس الذي ترجل اليوم لم يكن إلا الظاهرة الطبيعية التي نتوقعها في العمل الدبلوماسي الفلسطيني.

مقاتل في الشدائد، مثابر في العمل، هادئ في أحلك الظروف، فلسطيني بامتياز. مناضل لاجئ ودبلوماسي عنيد.

عرفه الجميع لأنه لا يستكين.

غالبه المرض ولم يغلبه فنهض علي من فراشه محافظا على هدوئه ومتوجها إلى عمله بهمة الفلسطيني وبحماسة الثائر.

أحبه صحبه لإصراره وقدراته وحميته.

رأيته في أديس أبابا في حضرة الرئيس الشهيد أبو عمار في العام 1989 وفي بلغراد في نفس العام وفي لندن في العام 1993 وفي إيرلندا في العام 2005 وفي جنوب أفريقيا في العام 2007 إلى أن ودعته مع نهاية العام المنصرم في زيارة خاطفة لجنوب أفريقيا.

وفي كل تلك المحطات ورغم مغالبة المرض له إلا أنه لم ينتقص أيا من بروتكولات التعامل والحديث والخطاب واللقاء.

كان رجل التفاصيل دون أن تقتله تفاصيل الهموم ورجل الكفاح دون أن ينتقص من الكفاح حقه.

ومع كل محطاته وانشغالاته لم ينسى أن يذكرنا بعائلته اللاجئة في مخيمات لبنان ولم يتأخر في حثنا جميعا على عدم إدارة الظهر لمن كافحوا إلى جانبنا في القارة السمراء.

القارة السمراء التي قال فيها أحدهم لي مازحا في جوهانسبرج بأن علي حليمة قد نافس من حيث الشهرة روبرت موجابي في زيمبابوي التي خدم فيها حليمة سفيرا وأنه لو قضى المزيد من الوقت في جنوب أفريقيا فإن تامو ممبيكي ويعقوب زوما سيجدان نفسيهما أمام منافس عنيد.

رحمك الله يا علي ورحم معك وفي ذكراك قائمة ممن شغلتنا عنهم الدنيا فخانتنا الأمانة أن نكرمهم من الدبلوماسيين الذين خدموا فلسطين بكل أمانة واقتدار فما هانوا ولا استهانوا.

لقد حرقتني دموع إيمان زوجة السفير حليمة بالأمس خاصة عندما أعلمها الأطباء بأن المرض قد تمكن هذه المرة من علي فهرعت إلى غرفته وشدت ثيابه وقالت:

"انهض يا علي.. أنت الذي باطحت الموت في كل المحطات فما غلبك..

انهض يا علي لأنك لا تستطيع الذهاب اليوم ولا أي يوم..

انهض لأن وراءك شعب ينتظر التحرير"!

رحمك الله سعادة السفير الملك!

s.saidam@gmail.com