الأزمة في أوسلو “الذي أزمن” وليس المؤقت..!
اكرم عطا الله
خاص لزمن برس
بعد تسعة عشر عاما على توقيعه فشل اتفاق أوسلو في إيصال الفلسطينيين إلى أهدافهم ، وبعد أن اعتقدوا أنه سيكون المحطة المؤقتة التي ستوصلهم إلى الدولة اكتشفوا أنه أصبح المحطة الدائمة وأن الدولة تباعدت أكثر ، وكأن روح شامير هي التي ترسم السياسة حين قال " كنت أنوي مفاوضة الفلسطينيين عشرون عاما " وها نحن بعد عام سنكون قد أغلقنا خمس قرن ولم يعد هناك مفاوضات حتى .
اختلف الفلسطينيون على اتفاق أوسلو منذ لحظة توقيعه وقد كان في ذلك الاختلاف حينها ما يعكس توجهاتهم السياسية سواء المؤيدين له أو المعارضين وأيضا كان الحكم على أوسلو ما يحمل بعض المناكفات المستمرة حتى اللحظة وقد تعززت بالانقسام بين غزة والضفة ،فقد سعى كل طرف من الأطراف في الانتفاضة الأولى إلى تأكيد صوابية موقفه ورؤيته وفشل الآخرين، لهذا كان في تأبيد أو رفض أوسلو ما يعكس صراع البرامج وصراع الأحزاب الذي استمر بالتدحرج لينتهي إلى ما وصل إليه الفلسطينيون .
إعلان المبادئ الذي وقع عام 93 هو اتفاق تاريخي أحدث تغير هائل في طبيعة العلاقة بين المتصارعين الفلسطيني والإسرائيلي من صراع صاخب في الشوارع والمدن إلى صراع هادئ في الغرف ،وقد حدد الاتفاق بفترة زمنية هي خمسة سنوات يكون الطرفان قد أتما المفاوضات واتفقا على كل نقاط الخلاف بينهما لتكون الدولة قد أعلنت عان 98 ولكن لم يدر بخلد أسوأ المتشائمين حتى من معارضي أوسلو أن هذا الاتفاق سيستمر كل هذا الوقت الطويل ، وأن كل حكومات إسرائيل بيمينها ويسارها ومتدينييها وعلمانييها وعسكرييها ومسالميها ستعمل على تأبيد الوضع الحالي وأن يتحول الاتفاق إلى شكل العلاقة الدائمة بين الطرفين وبدل أن كان يمثل بوابة الأمل بالنسبة للفلسطينيين تحول مع الزمن إلى عبء ثقيل بات من الواضح أنه عائق أمام استكمال مشروع التحرر ومصدر التشاؤم .
في تقييم اتفاق أوسلو بعد كل هذا الزمن الطويل يمكن القول أن ليس هناك أبيض أو أسود في السياسة فكما حملت بنود الاتفاق شروطا غير مقبولة لأغلب الفلسطينيين منهم حتى من كان ضمن مؤيدي الاتفاق بالمقابل كان لذلك الإعلان بعض الإيجابيات ومنها نقل القيادة الفلسطينية للداخل وعودة كثير من الكوادر الفلسطينية وأبناء الشعب الفلسطيني وقد هيأ ذلك لرفع مستوى وتيرة الصدام مع إسرائيل في الانتفاضة الثانية من خلال عودة العسكريين والمدريين على استعمال السلاح والأهم أنه مهد لتغيير علاقة الفلسطينيين بالعالم وبدأ العالم بالاعتياد على حق الفلسطينيين بكيان مستقل كباقي الشعوب والآن نذهب باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية .
هل المشكلة في اتفاق أوسلو أم في استمراره حتى اللحظة وهنا لا يميز معارضو الاتفاق ومؤيدوه فالمشكلة ليست في اتفاق ينتهي مفعوله بعد خمس سنوات وبكل ما حمله من شروط الإذلال ما لا يقبله أي فلسطيني تنتهي بالفترة المحددة في الاتفاق ، لكن المشكلة في تحويل المؤقت إلى دائم يحتمل الفلسطينيون كل قيود اتفاق باريس الاقتصادي بثقله مدة خمس سنوات ولكن أن يستمر ذلك حتى الآن ويتحول إلى عائقا أمام نهضة الاقتصاد الفلسطيني للأبد فهذا لا يمكن قبوله ، ويحتمل الفلسطينيون وطأة خمس سنوات من التنسيق الأمني لكن أن تبقى العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية محكومة بالتنسيق الأمني للأبد فهذه أزمة وطنية دائمة .
وهنا السؤال كيف تحول المؤقت إلى دائم وبموافقة الفلسطينيين وهذه الأزمة الحقيقية والتواطؤ غير المفهوم أن يوقع الفلسطينيون اتفاقا ظالما لمدة خمس سنوات ويتم تمديده إلى أجل غير مسمى ويدفع الشعب الفلسطيني ثمن كل بند من بنوده لعقدين سابقين ولا يظهر في المستقبل أفق لنهايته ، صحيح أن العالم الذي صمت على تمديد الاتفاق شارك في استمرار جريمة تكبيل الفلسطينيين ، لكن الفلسطينيون أنفسهم أول من يتحمل مسئولية هذا الوضع الذي علقوا فيه وكان من نتائجه المباشرة أن تلاعبت إسرائيل بكل شيء انتهى بانقسام أصاب المشروع الوطني بضربة مؤلمة وبفشل إداري واقتصادي حيث مكن إسرائيل بشكل دائم من السيطرة على الموارد الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني فالإرادة بمعناها المجرد تعني الاستثمار الأمثل للطاقات البشرية والمادية فإن استمرار تطبيق الاتفاق يعني حرمان الفلسطينيين من استثمار طاقاتهم وهذا نتيجة أزمة اقتصادية وفشل إداري ربما عبرت عنه تظاهرات الضفة الأسبوع الماضي ، أن تتحكم إسرائيل بالموارد الفلسطينية ، ويقبل الفلسطيني أن يبقى مستولا يبحث عن موارد دعم لدى الدول المانحة ، هذا وضع لا يمكن أن يستمر .
المشكلة هي في القيادة الفلسطينية التي لم تسأل عن قدرة الشعب على استمرار العيش في ظل أوسلو الدائم ، والتي لم تقلب الطاولة بعد انتهاء القدرة الانتقالية وحتى اللحظة لم تقف أمام حقيقة السؤال الأبرز وكيفية البحث عن مخرج ، بدأ الفلسطينيون أوسلو بأمل كبير ليكتشفوا أنه عبارة عن كمين علقوا فيه وهنا الأزمة .