حكومة مصالحة أم مصالحة الحكومة !؟
حكومة مصالحة أم مصالحة الحكومة !؟
يبدو إن المصالحة الفلسطينية لا تحتل أولوية عليا لكل من القوتين الرئيسيتين فتح وحماس من فرضية أن كل منهما يعتقد أنه على حق وصواب والآخر على خطأ ، ومن فرضية إن واقع الإنقسام البنيوى الذي قد تجذر مع حالة الإنقسام السياسى بين شطرى الوطن الفلسطينى قد أوجد قوى ومنافع ليس من السهل التسليم بها بسهولة من اجل مصالحة الكل يرى أنها ليست مستعجلة في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة بتحولات كبيرة قد تدفع في إتجاه صالح أحدهما ، ومن ثم عامل الوقت مهم لإنتزاع مزيد من المكاسب السياسية التي قد تم تحقيقها نتيجة الإنقسام السياسى . ومن هذه المنافع التي تثير جدلا قويا وتدور حولها لقاءات المصالحة في دائرة مفرغة وجود حكومة في غزة وأخرى في الضفة ، وكل حكومة تعتقد أنها قد حققت إنجازات لا يمكن التنازل عنها بسهولة لمصالحة قد تعيد ألوضع إلى الوراء ، أو قد يترتب عليها فقدان لبعضها ، واهمها وهو رئاسة الحكومة في الحالتين. ومن هذا المنظور تشكل عقبة الحكومة تحديا خطيرا قد يجهض أى محاولة لمصالحة حقيقية ؟ وهنا التساؤل هل الأولوية لبقاء الحكومة أم المصالحة ؟ ألأجابة المعلنه أن ألأولوية للمصالحة ، وليست إلي أى من الحكومتين اللتان تحتاجان مثل بقية مؤسسات السلطة السياسية إلى تجديد للشرعية السياسية من خلال إنتخابات شعبية حقيقية .وخروجا من مأزق الحكومة والمصالحة تتعدد الرؤى والمقترحات والحلول وكل منها قد يشكل هروبا من الحل الجذرى الذي يقوم على إستئصال كل أسباب ومسببات الإنقسام تحت أى ذريعة من الذرائع الغير مبررة . ومن هذه الإقتراحات بقاء الحكومتين مع الموافقة والتسليم بإجراء الإنتخابات في موعدها المتفق عليه في مايو القادم ، وهى فترة قصيرة لإجراء الإنتخابات خلالها ، لأن المصالحة تحتاج إلى ما هو أبعد من التوقيع علي ورقة مصالحة ، وتحتاج إلى مصالحة مجتمعية ، وإجراءات ومواقف وسياسات متعدده ومتنوعة تعالج كل التناقضات المجتمعية ، وأبرزها إزالة العداوة والكراهية والتنافر المجتمعى بين أبناء الشعب الواحد. وهذه مشكلة وإن كانت ليست سهلة ، لكنها في الوقت ذاته ليست صعبة على حلها والعودة بالمجتمع الفلسطينى إلى فطرته ألأولى من المصالحة مع الذات . والمقصود بذلك عودة روح المصالحة إلى جسد مزقته وسممته حالة الإنقسام السياسى الطويلة ، وغرست في داخله قيم الرفض والنفور والتصادم والإستعلاء تسببت بها سياسات أمنية قاسية ، وروح من الإنتقام والملاحقة لكل من ينتمى لأى من القوتين . وعلى الرغم من أن هذا اقتراح قد يعكس وجهتى نظر متعارضتين ، ألأولى والتي تعطى المصالحة أولوية ترى أنه لا مانع من بقاء الحكومتين إذا كان وجودهما يقود أو يحقق المصالحة ، والثانية التي قد تضمر نوايا غير تصالحية ، والتي ترى أن في بقاء الحكومتين ما يضمن أن يحافظ كل منهما على المكاسب التي حققها على ألأرض ، وأن في بقائهما خط رجعة عن أى خطوة للمصالحة قد تتعارص مع المصالح التنظيمية الضيقة .وسأذهب وأسلم بخيار الحكومتين على أمل تحقيق المصالحة ، وحتى لا تكون عقبة الحكومة سدا لا يمكن زحزحته أمام قطار المصالحة المتعثر. هذا الخيار في حد ذاته لن يحقق المصالحة في حد ذاتها بل قد يكرس حالة الإنقسام البنيوى والذى أحد أهم سماته هذه التركيبة الحكومية المتناقضة بين الضفة وغزة ، ولكن للتغلب على محاذير هذا الإقتراح ، لا بد من تشكيل قياده تنسيق عليا تكون بمثابة مرجعية عليا مؤقته لحكومتين حتى يتم إجراء الإنتخابات وتشكيل مرجعية سياسية شرعية جديده. وحبذا لو تحولت الحكومتان إلى لجنتان ذات طبيعة إدارية فنية عليا تعملان تحت إشرافهما عدد من اللجان الوظيفية المتفق عليها في شتى المجالات ، وتكون مهمة هذه اللجان الوظيفية العمل على تقديم الحلول والتصورات لحل كل التناقضات في المجالات الإدارية والوظيفية والقانونية التي أوجدتها حالة الإنقسام . وفى الوقت ذاته يتم تفعيل دور المجلس التشريعى على أن تكون مهمامه في مراجعة كل القوانين السابقة التي من شانها أن تعمق من التضارب والفوضى القانونية ، والعمل على إصدار قوانين ذات طبيعة تصالحيةوتوافقية . وأن لا يقتصر ألأمر على هذا النحو بل أن يتم تفعيل مبادرة المصالحة التي تم التوقيع عليها من خلال تفعيل الدور المصرى والعربى من خلا لجامعة الدول العربية لحل المشاكل المتعلقة بالبنية ألأمنية المعقده والمتنافرة والمتباعده في كل من الضفة وغزة . في إطار هذه المحددات يمكن تصور بقاء الحكومتين إذا كان الهدف الحقيقى هو المصالحة الوطنية . وكنت أتمنى أن تشكل حكومة أو حتى هيئة فنية إدارية عليا مشتركة تحت مسمى حكومة حتى تجسد المصالحة الوطنية وتعمل بإسلوب المنهاج الوظيفى وصولا إلى المصالحة السياسية في شكل الإنتخابات التي هدفها فرز شرعية سياسية جديده الكل يفتقدها بدون المصالحة , وليتق الجميع مصلحة الشعب الفلسطينى والقضية الفلسطينية التي تبتلعها آلة الإنقسام المتوحشة.
دكتور ناجى صادق شراب\أكاديمى وكاتب عربى