حركة حماس و الربيع العربي و أسس الشراكة السياسية
شكلت الثورات العربية تأثيرا كبيرا على حركات و أحزاب الإسلام السياسي في المنطقة العربية , ليس فقط من جهة أنها قطفت ثمارالربيع العربي وحصلت على نسبة كبيرة من أصوات الناخبين في الأقطار التي حصلت فيها الإنتخابات مصر و تونس و المغرب , بل حدثت تطورات مست البنية الفكرية نفسها , دار جدل كبير في أوساط نخبة هذه الأحزاب حول ما حمله الربيع العربي من أفكار و ثقافة و اجهت الإستبداد و القمع و الإضطهاد وفساد الأنظمة , من خلال ثقافة ألهبت الشعوب العربية ومازالت , الحرية بكل معانيها و الديمقراطية بكل محدداتها , الشراكة السياسية و التعددية , في هذه الأجواء دار جدل سياسي فكري في أوساط الإسلاميين , حول مدنية الدولة و الموقف من النظام السياسي البرلماني للدولة ومن الدستور ....... الخ
كان للتغيرات الهائلة التي حدثت في دول الربيع العربي أثر بالغ على حركة المقاومة الإسلامية حماس , فلم يعد مقبولا على أي قوة سياسية عربية أن تستأثر بالسلطة لوحدها , أو أن تعرقل إجراء الإنتخابات وتقف في وجه مبدأ التبادل السلمي للسلطة , حركة حماس ونموذج حكمها في قطاع غزة شكل عبئا أخلاقيا و سياسيا لأحزاب حركة الأخوان المسلمين في العالم العربي و تحديدا دول الجوار التي قدمت الكثير من النصائح إلى قيادة حركة حماس في الداخل و الخارج , بإتجاه الذهاب إلى المصالحة الفلسطينية و الشراكة السياسية مع حركة فتح و مكونات المجتمع الفلسطيني بكل أطيافه , فبقاء حكم حركة حماس في قطاع غزة بهذا النموذج سيشكل إحراجا للحركة الأم .
خمس سنوات على حكم حركة حماس في قطاع غزة مرت , تم خلالها الإضرار بالقضية الفلسطينية , قسم التمثيل السياسي للفلسطينيين لأول مرة , مس مختلف نواحي الحياة الإجتماعية و السياسية و الإقتصادية , انتهكت الحريات العامة في قطاع غزة و في الضفة الفلسطينية , و ضعت قيود على الصحافة ومنعت الصحف من التوزيع , كان لأجندة حركة حماس الإجتماعية أثر شديد القسوة على المجتمع الفلسطيني , للمرأة الفلسطينية النصيب الأكبر " تأنيث المدارس فرض الزي و الحجاب فرض قيود على حرية المرأة..........إلخ لم تستطع حركة حماس أن تكون بديلا تمثيليا لمنظمة التحرير الفلسطينية , و لم تستطع حركة فتح و السلطة الفلسطينية من إستعادة قطاع غزة , ورفض طلب الرئيس أبو مازن في مجلس الأمن الدولي للحصول على عضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة , بحجة أنه لايسيطر على قطاع غزة . فشلت السلطة و حركة فتح و منظمة التحرير الفلسطينية من تحقيق برنامجها السياسي في إقامة دولة فلسطينية مستقلة من خلال المفاوضات و مسار أوسلو , حيث شكلت المفاوضات عبئا سياسيا بتكلفة عالية جدا و بنتائج سلبية , كما وصل برنامج حركة حماس الذي يستند على المقاومة و الجهاد إلى طريق مسدود على الأقل في هذه المرحلة السياسية , وكانت التكلفة عالية و باهضة على الانسان الفلسطيني في قطاع غزة المحتل و المحاصر , لم تنجح حركة حماس في فك الحصار السياسي و الإقتصادي عن القطاع , و لم تقم بأية تنمية حقيقية أو تعيد بناء البنية التحتية التي دمرها الإحتلال , بلغ الفقر مستويات عالية وفرضت الضرائب في كل المجالات ولم يقابها تنمية مناسبة و حقيقية .
تأثرت حركة حماس بالربيع العربي بإتجاهين , الإتجاه الأول قوة النموذج بفوز الأسلاميين بشكل كبير وخاصة في مصر في الإنتخابات الأخيرة شكل لها دعما على الأقل معنويا في اللحظة الراهنة و لكنها تعول عليه كثيرا على المدى البعيد , وفي الإتجاه الثاني على الصعيد الفكري و السياسي لا تستطع حركة حماس منذ الآن من أن تتهرب من إلتزاماتها على صعيد قبولها بمبدأ الشراكة السياسية التي قبل به الغنوشي في تونس و تتحدث به حركة الإخوان المسلمين في مصر من خلال حزب الحرية و العدالة .
قيادة حركة حماس في الخارج وعت الدرس وخاصة بعد الأحداث في سوريا , ومطالبة الحركة بموقف واضح ضد النظام مؤيد للحراك الشعبي , خسرت قيادة حماس في الخارج موقع سوريا , جاء التوقيع على إتفاق المصالحة بين الرئس محمود عباس و خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في القاهرة و التوافق السياسي بين الرجلين ليشكلا معا أملا للفلسطينيين يعيد لهم وحدة مؤسساتهم ونظامهم السياسي , و يعيد الإعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية , الممثل الشرعي و الوحيد لكل الفلسطينيين و في كل اماكن تواجدهم , و أمام ضغط الحالة العربية " الربيع العربي " الذي لم ينتج بعد أحزابه الليبرالية الديمقراطية ولا فكره , قطف الإسلاميون نتائج الإنتخابات , دار جدل في أوساط حركة حماس و خاصة بين قيادتي الخارج و الداخل , خالد مشعل وما يمثله من ثقل يمثل وجهة النظر التي تقول أن على حركة حماس أن تستفيد من النجاحات التي حققها الإسلاميون في المنطقة العربية وأن تعيد الأمور إلى نصابها من خلال مشاركتها بالنظام السياسي التحرري الفلسطيني , سواء على صعيد الشراكة في منظمة التحرير الفلسطينية , بعد التوافق على إصلاحها و إجراء الإنتخابات أينما توفر ذلك و إصلاح آلية إتخاذ القرار فيها , وفي مجال السلطة من خلال الإنتخابات التي كانت حركة حماس تخشاها بالسابق , إستنادا إلى إستطلاعات الرأي , ولكن بعد نجاحات الإسلاميين و خاصة في مصر قد ينعكس ذلك على حركة حماس و بهذا تستطيع الوصول إلى الضفة الفلسطينية المحتلة , والسيطرة أيضا على القرار في منظمة التحرير الفلسطينية أو الـتأثير عليه بشكل كبير , و جهة النظر الثانية تقول أن إنتصار الإسلاميين في مصر وفر مناخ جيد لإنطلاق مشروع إسلامي متكامل و متواصل يكون قطاع غزة جزءا منه , وهذا المشروع المتكامل في المحيط العربي كفيل بهزيمة إسرائيل , من هنا نستطيع أن نفهم حقيقة الصراع بين حماس الداخل و الخارج و يضاف إلى هاتين الرؤيتين الصراع على مركز القرار بين الداخل و الخارج و خاصة بعد تراجع الدعم المالي الإيراني لحركة حماس في الخارج .
ولكن حتى نحكم على حركة حماس على مستوى تأثرها بالربيع العربي و بحالة الجدل في أوساط الإسلاميين التي لم تصل بعد إلى نهاياتها بشأن الموقف من الدولة المدنية أو مستوى تحولها إلى أحزاب ديمقراطية مدنية , علينا أن نحكم عليها من خلال ما تفعله على الأرض و ليس على ما تقوله , حيث لمس المواطن الفلسطيني تباطئا كبيرا في تنفيذ بنود المصالحة من كلا الطرفين و خاصة من قبل حركة حماس , ماتقوم به حركة حماس في قطاع غزة على الأرض من إجراءات لاتقنع المواطن بأنها جادة في المصالحة " أنظر تعطيل أعمال اللجان و إستمرار الإعتقال السياسي " و جولة هنيه الأخيرة و خاصة إلى إيران و حالة الحريات العامة فالإجراءات الأمنية لم تتغير , هذا مرده بالتأكيد أن هناك قوى ترى في المصالحة تهديدا لإمتيازاتها و مصالحها , و يضاف إلى ذلك ضعف حالة الجدل داخل حركة حماس وغياب للقادة المفكرين الذين يستطيعون التأثير , حركة حماس تشكل الحلقة الأضعف على صعيد حركة الإخوان المسلمين في العالم العربي في مساهمتها ومرجعياتها الفكرية و حتى الدينية , و هنا نستطيع أن نلمس مستوى تأثير الثقافات القديمة للمرجعيات الدينية التقليدية و السياسية على الحركة و خاصة في قطاع غزة من شعارات السيطرة على السلطة و أسلمة المجتمع و بناء النظام الإسلامي الشامل بدون شراكة مع الآخرين , و أمام هذا التلون السياسي بين أفرع حركة حماس في الخارج وفي الضفة الغربية و قطاع غزة , هناك عقبات كبيرة أمام تحقيق المصالحة و التي في الأصل هي بمثابة تقاسم و ظيفي إداري سياسي بين حركتي فتح و حماس
وهذه هي بالتأكيد ابرز نقاط ضعف إتفاق المصالحة , الذي لا يستند إلى أسس الشراكة الحقيقية بين مكونات المجتمع الفلسطيني السياسي و المدني , ولا يستند إلى مراجعة حقيقة و شاملة من قبل الطرفين سواء في إدارة حكميهما في قطاع غزة و في الضفة الغربية أو في فشل مشروعيهما السياسيين في إدارة المعركة مع العدو الإسرائيلي .
حركة حماس هي أقرب إلى النمط الأصولي الإسلامي من الديمقراطي المدني وهي تتصف بضعف مرجعياتها الفكرية و السياسية , هذا بالرغم من أن هناك تيارا عقلانيا تأثر بشكل كبير بالربيع العربي و ما ولده من ثقافة مدنية ديمقراطية تؤمن بالتعددية و المشاركة السياسية , و لكنه مازال غير مؤثر بشكل حاسم في الحياة الحزبية الداخلية .
إسرائيل مازالت العامل الرئيسي في التأثير على مسار المصالحة فهي صاحبة خيار فصل الضفة عن القطاع و تشجيع ربطه بالجنوب أي بمصر و بالتالي التقسيم السياسي للفلسطينيين و الجغرافي .
وأمام الفلسطينيين هدفيين رئيسيين في مواجهة العدو الإسرائيلي أولا المواجهة في الضفة الغربية ضد الإستيطان و هجمات المستوطنيين الفاشية وخاصة في مدينة القدس و ما حولها , و ثانيا عودة قطاع غزة إلى المشروع الوطني و إسهامه في معركة التحرر من الإحتلال و بناء الدولة الوطنية المستقلة .
وهذا يتطلب بالطبع بناء نظام تعددي مبني على شراكة حقيقية بين مختلف مكونات الحالة الحزبية و الفصائلية الفلسطينية