محللون: الخلاف الحالي مع واشنطن هو الأخطر منذ العام 48

الناصرة: لا يختلف اثنان بأنّ الخلاف الحالي بين الولايات المتحدّة الأمريكيّة واسرائيل هو من أخطر الخلافات التي وقعت منذ تحالفهما الإستراتيجيّ، وخلاف اليوم، على عكس أخرى بين تل أبيب وواشنطن، انحدر إلى شخصنة الأمور، حيث بات جليًّا وواضحًا ومعترفًا به من قبل الأمريكيين والإسرائيليين على حدٍ سواء، أنّ أزمة الثقة بين الرئيس الأمريكيّ، باراك أوباما، وبين رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، وصلت إلى مستوى عالٍ جدًا، بعد الهجوم العلنيّ الكاسح الذي شنّه نتنياهو ضدّ أوباما وكيري، الذي وُصف بأنّه بات منفصلاً تمامًا عن الواقع.

ومن المعروف أنّ أوباما يرفض سياسات رئيس الوزراء الإسرائيليّ، جملةً وتفصيلاً، وما زال يكّن له العداء منذ الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة، حيث عمل نتنياهو بدون كللٍ أوْ مللٍ لصالح المرشح الجمهوريّ، ميث رومني ضدّ أوباما. وبحسب المحللين الإسرائيليين فإنّ الإدارة الأمريكيّة قررت نقل نفوذها ومصالحها إلى الشرق الأدنى، خصوصًا بعد تورطها في كلٍّ من العراق وأفغانستان وأيضًا بشكل أوْ بآخر في سوريّة، الأمر الذي سيترك إسرائيل وحيدةً في الشرق الأوسط، وهي التي كانت تحمي المصالح الأمريكيّة في المنطقة، ولكنّ اليوم وعلى ضوء المستجدّات الأخيرة، بدأت الدولة العبريّة تفقد هذا الدور، ولم تعُد الحارس الأمين لمصالح واشنطن، لا بلْ انقلبت الأمور، إذ أنّ أمريكا باتت هي الحامية لمصالح الدولة العبريّة في الشرق الأوسط، الذي يشهد تغيّرات كبيرة وكثيرة، منها التكتيكيّة، ومنها الإستراتيجيّة.

وقد وصل الأمر بمحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى القول إنّ الإدارة الأمريكيّة غير مهتمة بالمرّة بما يفعله نتنياهو، لعلمها الكامل بأنّ إسرائيل ستعود زحفًا إلى واشنطن لعقد راية الصلح، لأنّ العلاقات بين الدولتين بمثابة زواج كاثوليكيّ، مشدّدًا على أنّ الطرف الضعيف في المعادلة هو إسرائيل، لأنّها بدون أمريكا ستصل إلى العزلة الدوليّة التي تخشى منها، وبدون واشنطن لن تجد من يستخدم حقّ النفض الفيتو لمنع اتخاذ قرارات في مجلس الأمن الدوليّ لإدانتها، كما أنّه أشار إلى أنّه لا توجد دولة عظمى في العالم على استعداد لتزويد إسرائيل بالمعونات الاقتصاديّة والعسكريّة، وفي مقدّمتها الأسلحة المتطورّة جدًا مثل طائرات إف 35 (الشبح)، والتي من المقرر أنْ يحصل عليها سلاح الجو الإسرائيليّ في السنة القادمة، علمًا بأنّ هذه الطائرة، الأكثر تطورًا، يستعملها سلاح الجو الأمريكيّ فقط.

وبعد إقرار إسرائيل رسميًا بأنّها فشلت في منع الاتفاق المزمع توقيعه بين مجموعة دول (خمسة زائد واحد) مع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، باتت وحيدة في الحلبة الدوليّة، خصوصًا وأن زيارة نتنياهو إلى روسيا، كما قال المحلل نداف إيال من القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيليّ فشلت قبل أنْ تبدأ.

علاوة على ذلك، يُجمع المحللون السياسيون في تل أبيب أنّ تصرّفات نتنياهو زادت من عزلته الدوليّة، بالإضافة إلى ذلك، أكّدوا أنّ قيامه باتخاذ قرار بتوجيه ضربة عسكريّة للبرنامج النوويّ الإيرانيّ لن يحظى بتأييد من الدول الصديقة قبل الدول التي تُعتبر في مصاف الأعداء، بالإضافة إلى أنّ العديد في إسرائيل يُشككون بقدرة إسرائيل على القيام بهذه المهمة لوحدها، بسبب بعد إيران الجغرافيّ عن إسرائيل، وافتقاد إسرائيل للأسلحة الملائمة، وخسارتها لعنصر المفاجأة الذي كان بإمكانه، بحسب البروفيسور يحزقيئيل درور، أنْ يُحقق نصرًا إستراتيجيّا، لافتًا إلى أنّه كان يتحتّم على الدولة العبريّة توجيه الضربة لإيران قبل عدّة سنوات، وعدم الانتظار حتى هذه اللحظة أوْ ما بعدها، ولكنّه استدرك قائلاً إنّ القرار بتوجيه ضربةٍ عسكريّةٍ لإيران هو أخطر قرار تاريخيّ سيُتخذ في الدولة العبريّة منذ إقامتها على أنقاض الشعب العربيّ الفلسطينيّ في العام المشؤوم 1948، وفقا لصحيفة "القدس العربي".

وفي خضّم هذه المستجدّات دخل على الخط وزير الخارجية القديم الجديد أفيغدور ليبرمان، الذي يُعاني من مقاطعة منهجيّة من قبل صنّاع القرار في واشنطن، ولم يزُر الولايات المتحدّة الأمريكيّة في ولايته السابقة إلا مرّتين. ليبرمان أدلى بدلوه يوم الأربعاء الفائت وسكب الزيت على النار المشتعلة، ففي مؤتمر (سديروت) الاقتصاديّ في جنوب إسرائيل قال ليبرمان، المعروف بمواقفه المتطرّفة جدًا، قال أمام الجمهور إنّ السياسة الخارجيّة الإسرائيليّة اعتمدت فقط على التحالف الإستراتيجيّ مع أمريكا، وهذا الأمر بحدّ ذاته كان خطأً، وأضاف أنّه حان الوقت لأن تتحول إسرائيل من سياسة خارجية أحادية الاتجاه إلى سياسة تعددية تقوم على السعي لتعزيز العلاقات مع دول أخرى لم يحددها بالاسم، مشدّدًا على أنّه يتحتّم على تل أبيب البحث عن أصدقاء آخرين في العالم.

وزاد الوزير قائلاً إنّ العلاقات مع واشنطن تأتي من حيث الأولوية في مرتبة تالية لتحديات أخرى مثل إيران والمشاكل الاقتصادية الداخلية. وقال أيضًا في المؤتمر عينه إنّه يجب الإدراك أنّ العلاقة مع أكبر حليف استراتيجيّ لنا، أيْ الولايات المتحدة، باتت تضعف.

ولكنّ الضجة التي أثارتها تصريحاته، في عزّ الأزمة مع واشنطن، أعطت زخمًا جديدًا للخلاف بين الدولتين، الأمر الذي دفع ليبرمان إلى النفي، حيث قال للصحافيين إنّ التصريحات التي أدلى بها في كلمته يوم الأربعاء الماضي لا تعني بأيّ شكلٍ من الأشكال أنّ الدولة العبريّة تبحث عن أصدقاء جدد على حساب تحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة.

والجمعة اضطرت إسرائيل إلى التراجع عن مواقفها المتصلبّة من واشنطن، وحاولت تقليل الأضرار التي لحقت بها جرّاء الحملة الإعلاميّة المكثّفة ضدّ الرئيس أوباما ووزير خارجيته كيري، وتعهدت بالإخلاص لعلاقتها الخاصة مع الولايات المتحدة، خصوصًا، كما أفاد موقع صحيفة ‘يديعوت أحرونوت’ على الإنترنت، بعد أنْ شكك وزير الخارجية ليبرمان فيما يبدو في متانة تلك العلاقة التي وضعتها موضع الاختبار مساعي التوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النوويّ. من ناحيته، قال زئيف إلكين، نائب وزير الخارجيّة للإذاعة الإسرائيليّة الرسميّة باللغة العبريّة (ريشيت بيت) إنّه لا استنتاج لأمور بعيدة عن الواقع، لافتًا إلى أنّ الدولة العبريّة ستبذل قصارى جهدها بعدم استبدال حليفتها الرئيسيّة، أمريكا.

وأضاف في معرض ردّه على سؤال انّه حتى عندما يقع خلاف حول هذه القضية أو تلك، لا أحد يمكن أن يأخذ مكان الأمريكيين، على حدّ قوله.