غزة تريد الكهرباء

rajab_Abu_Sirriyeh_inside

منذ أن تولت حركة حماس مسؤولية إدارة قطاع غزة، ومشاكل القطاع، على الصعيد المعيشي والحياتي، خاصة، تكاد لا تنتهي، فمن مشكلة نقص الأدوية، إلى نقص مواد البناء، إلى مشكلة البطالة، إلى مشكلة الكهرباء التي استمرت رغم كل المحاولات لحلها، ورغم تحميل عبئها المالي على موظفي السلطة الفلسطينية، الذين يتلقون مرتباتهم من رام الله، إلا أن "تحسناً" لم يطرأ على تقديم هذه الخدمة الحيوية، بل وقد انهارت تماماً منذ نحو أسبوع، وبشكل مفاجئ، ينم عن سوء تخطيط وإدارة وعن عجز في إيجاد الحلول، بشكل عملي.

كلنا يذكر كيف أن كهرباء غزة كانت واحدة من قضايا التجاذب بين طرفي الانقسام الداخلي، حيث كانت إسرائيل _ قبل إدخال مصر على هذا الخط _ هي المورد الوحيد للطاقة الكهربائية لقطاع غزة، إن كان من خلال مدها بخطوط الطاقة الإسرائيلية أو من خلال تزويد محطة التوليد الوحيدة في القطاع بالوقود الخاص، وحيث أن إسرائيل (بزنس مان) بمعنى أنه حين يتخلف القطاع عن دفع فاتورة الكهرباء المستحقة يقوم بقطعها وكانت السلطة المركزية في رام الله تقوم بدفع هذه الفاتورة، بكل تفاصيلها وبالجملة، بما في ذلك مصاريف المقار الرسمية لحركة حماس، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل كانت شركة الكهرباء في غزة تحتفظ بالأموال التي تقوم بجبايتها من بعض المواطنين، بحجة تسديد رواتب موظفيها!

بعد وقت، طالبت رام الله بتحويل الأموال التي تجبيها الشركة إليها، وبعد أخذ ورد، وهز أكتاف من قبل الحكم في غزة، قامت وزارة المالية في رام الله بخصم ما يعادل فواتير كهرباء موظفيها المقيمين في غزة من مرتباتهم، وبقيت الأمور على حالها، حيث يقدر بعض المراقبين ما تصرفه "حماس" على مقراتها بـ 7 ملايين شيكل شهرياً، ورغم خصم فاتورة الكهرباء من مرتبات موظفي رام الله في غزة، بقيت المشكلة وبقي تقنين قطع الكهرباء عن منازل المواطنين، حيث لا أحد يعلم بالضبط إن كان موظفو "حماس" في غزة يدفعون فواتير الكهرباء المستحقة عليهم أو إن كانت تخصم من مرتباتهم كما هو حال موظفي رام الله في غزة، ولا أحد بالطبع يفتح ملف الاستهلاك الحكومي في غزة، والذي "تتحلل" من استحقاقه حكومة الأمر الواقع.

بعد وقت اجترح الحكم في غزة شطارة غير مسبوقة، حين قام باستبدال الوقود الذي يستورد من إسرائيل بالوقود المصري، وذلك للحصول على فارق السعر، وإدخاله ميزانيته، ومع الوقت، أصبحت غزة تعتمد على نحو 45% من كهربائها، من خلال محطة التوليد المحلية التي تدار بوقود مصري (80 ميجا وات) وبخط كهرباء مصري يزود رفح والمنطقة الجنوبية من القطاع بنحو 17 ميجا وات، في حين بقي الاعتماد على المد الإسرائيلي بنسبة 55% تقريباً. يبدو أن ما حدث لاحقاً هو أن الجانب المصري قد ضاق ذرعاً بقصة التهريب، وأراد أن يصوب الأوضاع بينه وبين القطاع، ذلك وكما هو معروف فإن رخص المواد الأساسية ومنها الوقود سببه انه مدعوم من الدولة، حتى يتوفر للمواطن المصري، لا أن يتم تحميل أعباء مليون ونصف المليون مواطن فلسطيني الاقتصاد المصري، فيما يخص السلع المدعومة من الدولة.

هذا على ما يبدو هو السبب المباشر للأزمة الحالية، حيث أن الوقود (السولار والبنزين) قد اختفى من الأسواق في غزة، ذلك أن حكم "حماس" لا يريد الوقود الإسرائيلي بسبب انه غالي الثمن، ويريد أن يستمر تدفق الوقود المصري بشكل مهرب، أي كما يباع داخل السوق المصرية.

المشكلة التي تلازم حكم "حماس" لغزة، انه وعند كل مشكلة تحدث ترتفع عقيرة الشعارات والمطالبة بكسر الحصار وما إلى ذلك، ولا يتم الحديث عن العوامل والأسباب الذاتية والداخلية لأية مشكلة، حتى لو كانت هناك أسباب وعوامل خارجية لها، وكما هو معروف فإن كسر الحصار وبالمجمل، وبشكل عام غير ممكن لسببين أولهما أن إسرائيل هي السبب الرئيسي له، لأنها تغلق البحر وبالتالي اتصال غزة بالعالم الخارجي وتفصلها عن الضفة الغربية، والثاني حالة الانقسام _ حيث تسببت "حماس" بالانقسام أولا وما زالت _ خاصة "حماس" / غزة، تتردد في وضع حد له وإنهائه ثانياً _ حيث من الصعب أن تقوم مصر بالتعامل مع غزة كطرف خارجي، ككيان تعقد معه الاتفاقيات، وهي _ أي مصر _ باتت أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن تستمر في غض النظر عن التهريب وعن العلاقة مع غزة من تحت الطاولة، أو الجلوس مع كيان غزة وعقد الاتفاقيات معه!

لذا فإن للفلسطينيين عنواناً رسمياً عند المصريين هو محمود عباس، وواقع فعلي هو "حماس" / غزة، لذا فإن زيارة الأخ إسماعيل هنية للقاهرة قد تضع المصريين في تفاصيل مشكلة كهرباء غزة، لكن من المستبعد أن يعقدوا اتفاقية معه لحل المشكلة، حتى لو كان على الجانب المصري حكومة إخوانية، ذلك أن علاقة مصر مع فلسطين هي علاقة إستراتيجية لا تتغير بتغير جوهر أو طبيعة الحكم هنا أو هناك.

للكهرباء فوائد جمة منها أن تنير الشوارع والأماكن العامة والبيوت ليلاً، وأنها تشغل المصانع والورش والمعامل والمقاهي والمكاتب نهاراً، كما أنها ضرورية لكل الأجهزة الكهربائية في المنازل والمطاعم، وانقطاعها يتسبب في تلف الأطعمة وفي وفيات بعض المرضى في المستشفيات، وفي حوادث الطرق، كذلك في زيادة نسبة الإنجاب، وفي زيادة برودة الشتاء وحر الصيف، والكهرباء لم تعد "ترفاً" ولا واحدة من الكماليات، ولا أحد يمكنه أن يعود أياً يكن السبب ليعيش في "الكهوف" أو في بيوت الطين، وفي حالة غزة بالذات الكهرباء تمنع الناس من الجنون، وتحفظ عليهم عقولهم، لأنها سبب في اتصالهم بالعالم الخارجي بعد أن أقعدتهم سياسات "حماس" في تجاويف مساحة بحجم الكف، بالكهرباء يشاهدون محطات التلفزة، ويتواصلون مع العالم الخارجي عبر الانترنت، فمتى يدرك الحكم في غزة، أن إدارة الشعوب والمجتمعات، تحتاج إلى مهارة والى علم في الإدارة، والى سياسة واقعية، لا علاقة لها بالشعارات، وان الحكم إنما هو حكم دنيوي، بكل تفاصيله، وان من يحكم "لصالحه" وليس بما ينفع الناس في الأرض فإنما يجلب النار إلى بيته.

Rajab22@hotmail.com