الجيش الإسرائيلي يغطّي على جنوده عندما يقتلون الفلسطينيين!

بقلم: جدعون ليفي
يبدو أن ما حدث في مساء الأربعاء، الثالث من نيسان، عند أسفل برج الحراسة في حاجز عناب عند مدخل طولكرم، أنه إعدام؛ فلا يوجد مصطلح آخر نصف به ما حدث هناك. اتجه اربعة شبان فلسطينيون سيراً على الأقدام إلى الحاجز، وتابعهم الجيش الاسرائيلي بوسائله إلى ان أصبحوا على بعد 2 كم. رآهم يقتربون ويحاولون مرة بعد اخرى إشعال زجاجة حارقة كانت في أيديهم ولم يفعل شيئا لوقفهم. وحينما رموا في نهاية الامر بالزجاجة باتجاه الجدار الاسمنتي للبرج احتجاجا على موت السجين ميسرة أبو حمدية بالسرطان خرج باتجاههم جنديان وأطلقوا عليهم نارا حية. فقتل عامر نصار فوراً وجُرح فادي أبو أصل بيده وهرب ضياء نصار واعتقل. لكن ذلك لم يكف الجنود، فبدأوا يطاردون ناجي البلبيسي الذي فر الى ساحة مصنع الجلد القريب وأطلقوا عليه النار هناك في ظهره من مدى قصير، كما يبدو، وقتلوه أيضا.
لم يتعرض الجنود في حصنهم لخطر حقيقي في أية مرحلة. فبرجهم قد اسود منذ زمن بسبب الزجاجات الحارقة – ولا سيما بعد ان بدأ الشباب يفرون. ولم يكونوا يستحقون الموت بل كان يمكن ويجب اعتقالهم كما اعتقل ضياء نصار في ذلك المكان وأبو أصل بعد بضعة ايام، لكن استقر رأي جندي واحد (أو اثنين) على تعليم البلبيسي درساً، فأعدموه.
بدأت الشرطة العسكرية السرية التحقيق في الواقعة. واعتقل ضياء نصار وأبو أصل الجريح (الذي استطعت أن ألتقي به). ولم يعتقل أي جندي. "حينما ينتهي التحقيق" قال متحدث الجيش الاسرائيلي كعادته، "ستُنقل نتائجه الى النيابة العامة العسكرية". وسيحدث هذا بعد زمن طويل والنهاية معروفة سلفا، وربما تغلق القضية لعدم الاهتمام أو عدم الأدلة؛ وربما يوجد توبيخ "شديد"؛ وربما يوجد خفض للرتبة العسكرية؛ وربما عزل من الوحدة العسكرية؛ بل ربما يوجد عمل عقابي لبضعة اسابيع؛ من يعلم؟.
لكن يقف وراء هذا الفعل جندي شاب اسرائيلي خالص. لا نشك فقط في ان يُعاقب كما ينبغي بل ربما لا يُنشر اسمه أبداً، وسيظل يتجول بيننا بل ربما يُدعى، هذا الاسبوع "جنديا ممتازا"، الى منزل الرئيس. وسيُسرح بعد قليل من الجيش الاسرائيلي ويخرج الى حياته وتأخذ ذكرى عمل قتله تخفت في وعيه. من المؤكد أنه جندي "مُسمم"، ذاك الذي يحب الإسرائيليون التأثر به، وربما قص على أبناء عائلته ما فعله وربما افتخروا بابنهم. ونشك في ان يكون قادته ورفاقه في الوحدة قد أداروا له ظهورهم، ونشك في ان يكون ضميره يؤنبه الآن: لو أنه زار مأتم ناجي البلبيسي في عنبتا فلربما ثار فيه شيء ما. سيظل جندياً مجهولاً من غير اسم ومن غير ذنب ومن غير مسؤولية.
وبذلك يتحمل الجيش الاسرائيلي كامل المسؤولية عن فعله. إن الجندي الذي يختبئ وراء رداء الجيش الاسرائيلي يلقي كامل المسؤولية على الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. فاذا كان الامر كذلك فلا يمكن الحديث عن حالة شاذة بل عن جزء لا ينفصل من جهاز يسمح بإعدام كهذا ويُحلّه بعد ذلك بل يشجعه – بصمته والتغطية التي يمنحه إياها. ولن يمحو هذا أيضا عقاب رمزي سخيف كالعادة. إن الجيش الاسرائيلي، الذي لم يعتقل الجندي فورا ولم يأت به للمحاكمة، هو منظمة تشجع على تنفيذ اعمال مشابهة في المستقبل أيضا.
حدثت الحادثة في عناب قبل الاسبوع الوطني الاسرائيلي ببضعة ايام. وستُغلف الايام القريبة بقصص البطولة والتضحية والذكرى والانتصار والثكل، ويجب ان نضيف إليها ايضا قصة الجندي الذي طارد شابا فر ناجيا بنفسه غير مسلح بعد ان رمى مع رفاقه زجاجة حارقة لم تصب أحدا؛ والجندي الذي سدد إليه بندقيته في هربه وأطلق النار على ظهره في الساحة المظلمة لمصنع الجلود بعيدا عن عيون الجميع، هو ايضا جندي من الجيش الاسرائيلي وهو ايضا جزء من تراثه.
هآرتس