هل تحمل الأزمة أكثر من احتجاجات؟

زمن برس

رام الله: بعد إقرار الرئيس محمود عباس لقانون ضريبة الدخل بتاريخ 26/10/2011، بدأ حراكٌ جماهيري فلسطيني احتجاجا على التغييرات التي أتى بها هذا القانون، والتي فرضت المزيد من الأعباء الضريبية على فئات المجتمع المختلفة، في ظل ارتفاع الأسعار وارتفاع معدل البطالة، ما دفع العديد من المواطنين للخروج في مظاهرات جابت المدن المختلفة منددة بالقرار وبحالة الغلاء التي تنهش جيوب المواطنين، ولكن ما مدى تأثير هذه الاحتجاجات على صناع القرار الفلسطينيين، وهل سنرى تحركات شعبية أكبر في الفترة القادمة؟ في هذا التقرير سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها من خلال مجموعة مقابلات أجريناها مع عدد من المراقبين والمطلعين على مجريات الأحداث في الآونة الأخيرة .

اتفاقية باريس أساس المشكلة

معالم السوق الفلسطيني حددت وفقا لاتفاقية باريس الاقتصادية والتي نصت على أن يتم إتباع نظام السوق الحر كأساس للمعاملات الاقتصادية الفلسطينية، وربطت أي نشاط اقتصادي فلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي وهو ما اعتبره المحلل الاقتصادي محسن أبو رمضان المشكلة الأساسية في الأزمة الاقتصادية الفلسطينية؛ حيث يرى أن السلطة تسير وفقاً لآليات السوق وذلك يعني أن السياسة الاقتصادية المتبعة لا تراعي مصالح الفئات الاجتماعية المتضررة، مضيفا أن "القانون الضريبي الأخير الذي تم إقراره من قبل الرئيس أضر بفئات واسعة من المجتمع الفلسطيني من القطاعين العام والخاص، وهذا سيؤدي إلى ركود النشاط الاقتصادي".

ونوه أبو رمضان إلى أن السلطة تتبع سياسة منهجية تقوم على رفع الضرائب وتخفيض النفقات في مجالات التعليم والتربية، وهو ما يزيد من العبء المالي الواقع على المواطن .

الاحتجاجات نواة ستكبر

عن مسار الاحتجاجات يعتقد محمد العملة عضو هيئة إدارية في إتحاد الخريجين الشباب العاطلين عن العمل أن حملة الاحتجاجات على الغلاء يمكن أن تتطور لتصل إلى درجة التأثير على نتيجة الانتخابات القادمة من خلال وجود أشخاص يمثلون إرادة الشباب، "يحملون نهجا اقتصاديا وطنيا بديلا لنهج الاقتصاد الحر، الذي يزيد الغني غنى والفقير فقرا".

وبالرغم من ضعف شعبية الاحتجاجات التي خرجت في المدن المختلفة إلا أن العملة يرى فيها نواة لتحرك شعبي حقيقي على الأرض، مضيفا أنها تتم بشكل ممنهج وتنتقل من منطقة لمنطقة واصفا إياها "بكرة الثلج التي تكبر وتمتد لتصل كل المناطق" .

قد تطال وجود الحكومة

وفي ظل حديث الحكومة الفلسطينية عن وضعها لبرامج اقتصادية من أجل تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، قال الكاتب والصحفي خليل شاهين إن تلك البرامج تزيد من الضغوط على المواطن العادي وتجعل الحكومة تعتمد على جيوب المواطنين في توفير ميزانيتها، مشيرا إلى أن "الحراك الشعبي تجاه الغلاء والضرائب ما يزال ضعيفا، لأن قانون الضريبة ما زال في بداية تطبيقه، ولم يشعر المواطن بالتأثير المباشر له، لكنّه نوه إلى أن استمرار الحكومة في إصرارها على تطبيق هذا القانون سيزيد من حدة الضغوط على المواطن العادي بالتالي ستزيد التحركات الشعبية"، وقد يؤدي ذلك – حسب شاهين- بالتزامن مع غضب الشارع الناتج من فشل التوصل إلى المصالحة إلى دفع الرئيس محمود عباس لإعادة النظر في الحكومة القائمة .

فشل إنهاء الانقسام ولّد اليأس

من جانبه رأى الأستاذ خالد عودة الله محاضر علم الاجتماع في جامعة بيرزيت أنه من المفروض أن تزيد الاحتجاجات وتتطور لتتحول إلى مطالب يومية واضحة المعالم ولكنه أشار إلى أن ذلك يعتمد على وجود قيادة لهذه الاحتجاجات بعيدا عن الفصائلية والمناكفات.

وفي تفسير ضعف الاحتجاجات لغاية الآن قال عودة الله "إن ذلك يعود إلى عدة أسباب أهمها ما وصفه بالخطأ القاتل حين تم إنزال الناس إلى الشارع من أجل المصالحة، ومن ثم تم إحباطهم إثر عدم التوصل إلى اتفاق، وهذا أوصلهم إلى حالة من اليأس كونت لدى الناس صورة مشوهة عن الاحتجاجات والقائمين عليها"، وأضاف عودة الله أن ما يجري من مظاهر رمزية في الاحتجاجات كحمل الطناجر واللافتات الساخرة قد يفقد الاحتجاجات أهميتها؛ "لأن الرمزيات يمكن أن يتم التعايش معها بسهولة من قبل من يتم الاحتجاج ضده، منوها إلى أن المشكلة الأكبر هي في بنية المجتمع الفلسطيني بعد أوسلو حيث تم التخلي عن مجموعة المفاهيم التي كانت تحكم الحياة الاجتماعية في فلسطين وتم إحلال بنية اقتصادية رأسمالية استهلاكية"، مع تأكيد عودة الله أن هذه المفاهيم لن تقوى على الصمود لفترة طويلة.

وعن مستقبل الاحتجاجات وتطوراتها دعا المحلل الاقتصادي محسن أبو رمضان السلطة إلى ضرورة التدخل وعدم ترك الأمور الاقتصادية لتتحكم فيها آليات السوق، مشيرا إلى أن هذا التدخل يتمثل في تثبيت الأسعار ومحاربة الاحتكار وخاصة السلع الأساسية التي لها علاقة بالسواد الأعظم من الناس كالدقيق والأرز والسكر والمحروقات.

ليبقى التساؤل عن طبيعة التحركات الشعبية وإلى أين تتجه رهينة الأيام القادمة، وكيفية تعامل السلطة مع المطالب الشعبية، وموقع الأوضاع السياسية المتردية وتأثيرها على منحى الحال الاقتصادي، وهل ستخفت المطالبات الشعبية أم ستسير في وتيرة متصاعدة كما يقول منظموها؟