اولمرت – ليفني يعودان للساحة

بعدما انهت المحاكم الاسرائيلية البت في قضايا الفساد، التي أُثيرت على شخص ايهود اولمرت، رئيس الوزراء الاسبق، وبعدما تعافت نسبيا تسيبي ليفني، زعيمة حزب كاديما من ردات الفعل على هزيمتها امام شاؤول موفاز على رئاسة حزب الوسط، رشحت في وسائل الاعلام الاسرائيلية أخبار تفيد بعودة كليهما الى الساحة الحزبية والسياسية. بالتأكيد العودة لن تكون لحزب كاديما ، الذي يقوده موفاز، انما ستكون عبر تشكيل إطار حزبي جديد، يضم كل الذين إستقالوا من حزب الوسط وفي مقدمتهم حاييم رامون. كما افادت الانباء، ان حوارات بدأت بين بقايا حزب كاديما والزعيم الجديد يئير لبيد ، رئيس "هناك مستقبل" ، بحيث يضم الاطار الجديد قوى لديها مصلحة في إسقاط حكومة نتنياهو، والائتلاف اليميني المتطرف.

ووفق ذات المصادر الاسرائيلية المنشورة ، فإن الحوار شمل ايضا إيهود باراك، وزير الدفاع في حكومة نتنياهو، وزعيم حزب "الاستقلال" في الولايات المتحدة. الامر الذي أثار ازمة بين رئيس الحكومة ووزير دفاعه، كون باراك التقى رئيس بلدية شيكاغو، وايضا التقى مع ليفني، الامر الذي دعا نتنياهو للافتراض ان وزير حربه ، عمل ويعمل على تخريب صورته امام الادارة الاميركية، وايضا فتح حوار مع تسيبي ليفني تمهيدا لما قد تشهده الساحة السياسية الاسرائيلية في المستقبل المنظور من تقديم موعد الانتخابات البرلمانية، خاصة وان تمرير موازنة العام 2013غير مؤكد، وهذا ما دعى له رؤبين رفلين، رئيس الكنيست. الظاهرة المهمة في الساحة السياسية الاسرائيلية، التي تحتاج الى قراءة، ليس الحراك المفترض لتشكيل إطار جديد من القوى المنسحبة سابقا من الساحة الحزبية والسياسية. بل انها تتمثل في عدم تمسك القيادات الحزبية الاسرائيلية باحزابها، التي انضمت لها، وتبوأت فيها مواقع رئيسية، والبحث الدائم عن التواجد في الملعب السياسي الاسرائيلي بغض النظر إن بقي الحزب او ذهب.

لان جل القيادات الاسرائيلية ، تعتبر الاحزاب مجرد وسيلة لا غاية بحد ذاتها. وان شعر هذا القائد او ذاك، ان الحزب، الذي ينتمي له بات يشكل عبئا على مشروعه السياسي ومصالحه، فانه يدير الظهر له، كما حصل مع اريئيل شارون، عندما كان زعيم الليكود ، وانشق عنه عام 2005 في اعقاب الضغوط، التي تعرض لها من انصار اليمين المتطرف في الليكود بقيادة نتنيياهو وسلفان شالوم وغيرهم.

وانشقاق شارون ليس الاول من نوعه، فكان بن غوريون ايضا انشق عن حزبه الام، وكذلك فعل موشي دايان، وايضا وايزمان. وكل منهم له اسبابه ودوافعه. لكن المهم في الساحة الحزبية الاسرائيلية، غياب البعد القيمي للاطر الحزبية.

وتحرك الاشخاص بتحرك المصالح الشخصية والسياسية، لا سيما وان البعد الايديولوجي الناظم للقطاع الاكبر من الساسة الاسرائيليين، محدد وثابت، وهو الايديولوجية الصهيونية بتلاوينها المختلفة. التحرك الديناميكي للشخصيات السياسية في بناء الاطر الحزبية الجديدة، بقدر ما يمكن ان يؤصل لنفي خضوع الفرد الانسان للاداة الحزبية في حال امست عبئا عليه؛ بقدر ما يكشف عن تعمق فلفسة الانسحابية من قبل القادة المتنفذين في احزابهم من المواجهة مع التيارات المناهضة لسياساتهم وتوجهاتهم.

وهذا الاستسهال للهرب من الواجهات الحزبية يكشف ايضا عن وجه انتهازي، لان الانسحاب لا يرتكز على قاعدة ايديولوجية جديدة، ونسبية التفاوت بين اليمين واليسار والوسط الصهيوني، لا تعكس ولادة تيارات فكرية – سياسية جديدة قادرة على حمل رؤى نوعية لمعالجة قضايا المجتمع الاسرائيلي، وازمة المشروع الصهيوني الكولونيالي في الصراع المستمر منذ ما يزيد على القرن نظريا، وقرابة ال (70) عاما فعليا مع القومية العربية ممثلة بالشعب العربي الفلسطيني، المستهدف الرئيسي من الهجمة الصهيونية. حتى حملة راية ما بعد الصهيونية من المؤرخين الجدد، لم يتمكنوا من شق طريق جديد، لانهم بقيوا اسرى الفكر الصهيوني ، واسرى المحذورات الاسرائيلية.

قلائل هم الذين حاولوا شق طريق جديد ، لكنهم مازالوا لا يزيدوا عن اصابع اليد الواحدة. وكل المؤشرات تشير الى ان الاتجاه العام للمجتمع الاسرائيلي تتجه نحو اليمين واليمين المتطرف للفكر الصهيوني. والحراك الحزبي واطره الجديدة بقدر ما توحي بغياب الثبات للفسيفساء الحزبية القائمة، بقدر ما تؤكد ان الجديد الحزبي اي كان مسماه وقياداته وتوجهاته ، فإنه اسير السقف السياسي الاسرائيلي، البعيد عن إحداث حراك جدي لعملية السلام، لان القيادات الاسرائيلية مازالت حتى الان بتلاوينها المختلفة غير قادرة على دفع استحقاقات السلام.