السلطة عاجزة عن إلغاء اتفاق باريس
محمد مرار- زمن برس
في الآونة الأخير تعالت الأصوات المطالبة بإلغاء اتفاق باريس الاقتصادي الذي وقعت عليه السلطة الفلسطينية مطلع عام 1994 ، كملحق اقتصادي لاتفاقية أوسلو المفترض أنها تهيئ لمرحلة انتقالية. الاتفاق احتوى على 82 بنداً كان واضحاً أنها ليست في صالح المواطن الفلسطيني خصوصاً في ما يتعلق بالضرائب واعتماد مستوى أسعار متقارب جداً بين اقتصادٍ إسرائيليٍّ قوي وآخر فلسطينيٍّ هش، وما زاد الوضع الاقتصادي صعوبةًً هو عدم التزام اسرائيل بتطبيق بنود تلك الاتفاقية، بينما فرضت على الفلسطينيين الالتزام بها، أما الأمر الثاني الذي زاد الأمر سوءاً فهو عدم انتهاء المرحلة الانتقالية المفترضة حتى غدت دائمةً دون وجود أفقٍ لانتهائها.
وهنا تطفو على السطح تساؤلاتٌ يتوجب الإجابة عنها قبل المطالبة بإلغاء الاتفاق أو الإبقاء عليه، وأولها متعلقٌ بقدرة السلطة على الغاء الاتفاق وهل هناك بدائل حقيقة؟.
وثانيها: هل وصل الشارع الفلسطيني إلى حالة من الحراك الكافي للضغط على السلطة كي تلغي اتفاق باريس؟.
كل البدائل خطيرة
المحلل الاقتصادي عادل سماره رأى بأن المطالبة بإلغاء اتفاق باريس تعتمد على ماهية الأصوات المطالبة بإلغاء الاتفاق، معتبراً أن كل أصوات لها موقف وتفسير معين، فأصوات السلطة ليس لديها بدائل فعلية، أما أصوات المتظاهرين فهي مطلب شعبيٌ على حد قول سماره.
وعن البدائل المطروحة إذا ما ألغيَ اتفاق باريس قال سماره " اذا كان الحديث عن بديل حقيقي فيجب العلم بأن إلغاء اتفاق باريس حاليا يعني أن إسرائيل ستفرض حصاراً اقتصاديا، وهنا نجد أن البديل الوحيد هو أن تضغط السلطة على الدول العربية لتمول حاجات الفلسطينيين وفي هذه الحالة على العرب أن يضغطوا على الولايات المتحدة ويثبتوا حقهم في مساعدة الفلسطينيين".
إلا أن سماره حذر من البديل الذي طرحه مبرراً ذلك بأن الولايات المتحدة قد تضغط على الدول العربية الداعمة لفرض املاءات على الفلسطينيين كإجبارهم على العودة إلى المفاوضات من دون شروط أو أن يعترفوا بيهودية اسرائيل.
وختم سماره حديثه بالقول إن كل البدائل خطيرة لأن الأساس فيها يعتمد على بنية أوسلو ومفاوضات مدريد، وأن الفلسطينيين أخذوا السلطة ولم يأخذوا السيادة، مشيراً إلى أن الحديث عن استقلال اقتصادي لا يتم إلا في حالة الدولة المستقلة وليس في حالة وجود الإحتلال.
لا فائدة من إلغائه
ما طرحه سماره لم يكن واقعياً بحسب ما رآه الخبير والمحلل الاقتصادي نصر عبد الكريم الذي قال " بأن المطالبة بالانفتاح الاقتصادي على العالم العربي والإسلامي ستكون مفيدةً إذا كانت السلطة تملك السيادة، فهل بإمكانها الآن أن تفعل ذلك؟ وهي حاولت أكثر من مرة ولم تنجح لأن إسرائيل تمارس قيودها على الإستيراد والتصدير، وأيضا لا يوجد معابر برية كافية خصوصاُ مع الأردن، حيث لا يوجد غير معبر واحد يكاد يكفي لدخول المسافرين".
وأضاف عبد الكريم بأن المشكلة ليست في اتفاق باريس بل هي في اتفاق أوسلو، وأن الأصل هو "التمرد" على اتفاق أوسلو، لأنه إذا الغيت باريس لوحدها، ستبقى اسرائيل مسيطرة على الحدود والمعابر والتجارة والمناطق "ج" وكل التفاصيل الأخرى، أي أن ذلك غير مفيد وفقاً لما قاله عبد الكريم. أما المفيد بنظر عبد الكريم فهو الدخول بمفاوضات فنية مع إسرائيل بضغط من اللجنة الرباعية لتعديل بعض البنود التطبيقية في الاتفاق والتي لم تلتزم اسرائيل بها.
الوقود العربي هو الحل
رجل الأعمال الفلسطيني ووزير الاقتصاد السابق باسم خوري قال بأن الفائدة الوحيدة للفلسطينيين من خلال اتفاق باريس كانت متمثلة في دخول العمال إلى اسرائيل وتصدير السلع الزراعية حيث أن هذان الجانبان كانا يمدان الاقتصاد الفلسطيني بثلاثة مليارات دولار سنوياً.
وأشار خوري إلى أنه منذ عام 1998 بدأت إسرائيل تضع المعيقات في وجه الاقتصاد الفلسطيني، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى استغلت الفرصة ومنعت دخول العمال والبضائع الزراعية إلى سوقها، وهو ما أدى لإنهاء الاستفادة الفلسطينية من الغلاف الجمركي الذي نتج عن اتفاق باريس وفقاً لما قاله خوري.
وأضاف خوري بأن الحل يكمن في ادخال الوقود العربي إلى الأراضي الفلسطينية قائلاً" البترول هو من يحدد الأسعار في كل اقتصاد، وفي بروتوكل باريس مسموح لنا ان نحضر البترول من الأردن أو من أي جهة ثانية، وفعلا إذا كانت الدول العربية مثل قطر والسعودية معنية بمساعدتنا، فيجب عليهم أن يعطونا بترول بدل من أن يعطونا أموالاً، وهذا الأمر سيشكل دعما كبيرا للاقتصاد الفلسطينيين".
وأشار خوري إلى أنه إذا تم ادخال الوقود فيمكن حينها للفلسطينيين تغيير كل معادلة الاقتصاد الفلسطيني، واستشهد بمثال أثر دخول البنزين المصري على غزة وما عقبه ذلك من انخفاض في الأسعار داخل القطاع.
ستخسر السلطة إذا ألغت الاتفاق
أما المحلل الاقتصادي والمحاضر في جامعة النجاح د.نائل موسى فرأى أنه لا يمكن للسلطة أن تقدم على إلغاء اتفاق باريس منوهاً إلى أن العديد من الصعوبات والعوائق هي من تدفع السلطة الآن إلى التمسك به، وأهمها أن 67% من إيرادتها المحلية ستخسرها إذا ما قامت بإلغاء الاتفاقية، وتسائل موسى " هل ستقبل إسرائيل بتعديل الاتفاقية وهي مستفيدة منها؟".
وعارض موسى ما صرح به رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض بأن اتفاقية باريس لمصلحة الفلسطينيين قائلاً " هذه الاتفاقية بنودها السيئة أكثر بكثير من بنودها الحسنة، لذلك لا بد من وضع اتفاقية جديدة تكون مكملة للمرحلة النهائية المتفق عليها". لكنه أشار إلى ضرورة الإبقاء على بنود الاتفاقية السابقة المفيدة "رغم قلتها" حتى لا يصبح الاقتصاد الفلسطيني ملتحقاً بالاستيراد والتصدير، وعدم امكانية اللعب بالإنتاج وارتفاع الجمارك والضرائب على حد قول موسى.
المقاومة الاقتصادية هي الحل
الحراك الشبابي الفلسطيني الذي تصاعدت مطالباته بإلغاء اتفاق باريس في الآونة الأخيرة، يرى أن المشكلة ليست في اتفاق باريس فقط، حيث قال الناشط الشبابي علي عبيدات " المشكلة في النهج المتبع منذ اتفاق كامب ديفيد مروراً بمدريد وأوسلو، وكامب ديفيد آخر مرة وإلى آخره، القضية هي أن هذا النهج والذي بني على التبعية إلى الاحتلال يجب أن ينتهي".
ويرى عبيدات بأن الحل الوحيد هو أن تقوي السلطة مفهوم المقاومة الاقتصادية وفك التبعية للاحتلال الاسرائيلي من خلال دعم صمود المزارع الفلسطيني والمصانع والمشاريع الصغيرة وبالأخص في المناطق المصنفة "ج" وفقاً لاتفاق أوسلو.
وأشار عبيدات إلى وجود مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة والتي اذا تم استغلالها ستعود على الاقتصاد الفلسطيني بالنفع، مما يمهد لتشكيل جبهة مقاومة اقتصادية تمكن الفلسطينيين من مجابهة الاحتلال ومقاطعته والتمرد على الاتفاق الذي جلب الويلات للشعب الفلسطيني وفقاً لما يراه عبيدات.