الفلسطينيون في قلب الصراع السوري -خاص زمن برس

سمير الزبن-دمشق

خاص زمن برس

داهم الحراك السوري الفلسطينيين في لحظة فارقة في تاريخهم وفي تاريخ سوريا، ولا نقصد هنا الفلسطينيين الذين يعيشون في سوريا فحسب، بل القيادة الفلسطينية بكل طيفها السياسي. ففي الوقت الذي يفتح الحراك في سوريا صفحة جديدة في تاريخ سوريا، يجد الفلسطينيون أنفسهم عراة بلا غطاء سياسي.

عادات التاريخ

لقد اعتاد الفلسطينيون أن يتخذ الأخرون موقفاً من قضيتهم، وحتى أن يتدخلوا فيها تحت عناوين قومية القضية. وفي المرات القليلة التي اتخذت فيها القيادة الفلسطينية مواقف من قضايا عربية داخلية دفع الفلسطينيون الثمن غالياً، وكان آخرها المأساة الفلسطينية التي عاشها اللاجئون الفلسطينيون في العراق.

في اللحطة السورية الراهنة يجد الفلسطينيون أنفسهم بلا غطاء سياسي، صحيح أن الموقف الفلسطيني الرسمي هو "عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية" وهو الموقف الفلسطيني التقليدي وهو ما تعتبره القيادة الفلسطينية المعبر عن سياستها تجاه ما يجري في سوريا. وحتى لا تبدو أنها تخلت عن فلسطيني سوري في لحظة حرجة، قامت السلطة الفلسطينية بارسال بعض المساعدات الانسانية (الغذائية والدوائية)، والتي اعتبرها بعض الفلسطينيين بمثابة سكب الملح على الجرح الفلسطيني النازف في سوريا. فسقوط مئات الضحايا من الفلسطينيين في سوريا طرح أسئلة سياسية عن معنى العلاقة بين الفلسطينيين في سوريا وقيادتهم، وظهرت الهوة التي تراكمت على مدى السنوات الماضية أوسع من أن تردم، والانفصال الكبير بين القيادة الفلسطينية وبين قضايا التجمعات الفلسطينية في الشتات نهائية، فكانت تجربة المساعدات الغذائية أن زادت الطين بلة، وتعاملت القيادة الفلسطينية في رام الله مع الفلسطينيين في سوريا بوصفهم أصحاب احتياجات انسانية، والقيادة الفلسطينية بوصفها متبرع خارجي.

لم تشعر القيادة الفلسطينينة أن هناك مئات الآلاف من الفلسطينيين بحاجة الى غطاء سياسي وليس الى مساعدات انسانية على أهميتها، موقف سياسي يحميهم ويتابع قضاياهم والمخاطر الجدية التي تحيط بهم ومحاولة تجنيبهم هذه المخاطر التي جعلتهم يدفعون ما يقارب 400 شهيد في عموم التجمعات الفلسطينية في سوريا وخارجها حتى كتابة هذه الكلمات.

الفصائل الفلسطينية في سوريا

تعترف قيادات وكوادر الفصائل الموجودة في سوريا بأنها لا تشكل وجود للفلسطينيين في سوريا وتقر بعدم وجود هذه الرجعية، لا فصيل واحد ولا الفصائل مجتمعة. رغم ذلك، يتحركون تحت هذا العنوان، ويجدوا أنفسهم يكررون الموقف الرسمي بطريقة ممجوجة في الوقت الذي يزداد سقوط الضحايا من الفلسطينين.

والبيانات التي تصدرها الفصائل في سوريا مدعاة للتندر، فهي تتحدث عن معركة الفلسطينيين مع العدو الصهيوني وأن لا شيء سيحرفهم عن معركتهم الرئيسية،؟! وهي محاولة لدفن رأسهم في الرمل وعدم رؤية الدم الفلسطيني ومن وراءه الدم السوري النازف بغزارة. وعندما يدينون المعتدي على المخيمات الفلسطينية، يتم تجهيل الفاعل، بحيث تستطيع أن تفسره كما تشاء، بما في ذلك أن المسؤول عن الاعتداء كائنات فضائية، لا أحد يعرف من أين تأتي ولا أين تذهبٍ. حقيقة المواقف السياسية للفصائل الفلسطينية في سوريا لا تتعلق بالبيانات البائسة التي تصدرها من دمشق، انما تتعلق بمسألة تسليح الفلسطينيين في سوريا تحت ذريعة حماية الفلسطينيين، دون تحديد حمايتهم مِن مَن. تقود حملة التسليح الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة ومعها كل من بقايا حركة الصاعقة والمنشقين عن حركة فتح. وقد حسمت القيادة العامة موقفها من بداية الحراك السوري بوصفه مؤامرة خليجية غربية تستهدف صمود سوريا ودورها المقاوم، وهم يقفون الى جانب النظام دون لبس أو تردد، ويحاولون أن يشرعنوا السلاح الذي وزرعوه على أنصارهم ومن حولهم، على اعتبار أنه سلاح فلسطيني يستهدف حماية المخيمات ومنع الجيش الحر من الدخول الى المخيمات، تحديداً مخيم اليرموك، على اعتبار أن هذا الجيش هو عصابات ارهابية مسلحة تحركها مؤامرة تستهدف سوريا.

أما فصائل منظمة التحرير فهي عاجزة عن اتخاذ موقف سوى تكرار الموقف الرسمي، وعاجزة عن اتخاذ موقف في مواجهة القيادة العامة لدعم وتكريس موقفها الحيادي في الأزمة السورية، حيث لم تستطع أن تجد موقف يتمايز معها حتى في اطار فصائل منظمة التحرير في سوريا، فهي تظهر وكأنها رهينة الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة في الموقف الداعم للنظام السوري حتى النهاية.

وكانت حركة حماس قد أتخذت موقف بمغادرة سوريا بعد ضغوط كبيرة عليها من أجل حسم موقفها مع النظام، وأبقت على وجود متواضع في سوريا.

الفلسطينيون بعيداً عن الفصائل

من المفارقات التاريخية التي كرسها وأكدها الحراك السوري في الساحة الفلسطينية، أن الفصائل لا تعبر عن التجمعات الفلسطينية في سوريا. لذلك يمكن الحديث عن الموقف الفلسطيني بعيداً عن الفصائل، وكما تجسد في سلوك التجمعات الفلسطينية وتعاطيها مع الحراك السوري. وقد عبرت هذه التجمعات عن تعاطف عالي مع الاحتجاجات السورية من بدايتها ومنذ حصار مدينة درعا، حيث قدم المخيم هناك المساعدات الانسانية للمناطق المحاصرة، وخرق الحصار بايصال الخبر والدواء والطعام لتلك لمناطق، وقد دفع مخيم درعا ثمن هذا الموقف أكثر من عشرة شهداء في ذلك الحصار، وتكرر الموقف في مخيم حمص من استقبال اللاجئين والجرحى واسعافهم في مشفى المخيم ومستوصفاته.

وكانت ذروة هذا الموقف احتضان مخيم اليرموك لعشرات آلاف النازحين من المناطق المجاورة، وتقديم وسائل العيش لهم، وكانت واحدة من المفارقات أن يستقبل لاجئون لاجئين مثلهم، يردوا لهم بعض من دين عليهم. وقد أصدرت التنسيقيات في كل من درعا وحمص ودمشق شكر للفلسطينيين على الجهود التي قدموها في احتضان أهاليهم. لم يقتصر الموقف الشعبي الفلسطيني على الدعم الانساني واستقبال اللاجئين وتقديم العون والاسعاف. فقد شاركت اعداد من الفلسطينيين في التظاهرات التي شهدتها المدن والقرى السورية، وإن كانت هذه المشاركات محدودة نسبياً، لكنها كانت مؤشراً واضحاً على المزاج الفلسطيني بالتضامن مع الحراك السوري ومطالبه بالحرية.

وكانت ذروة الوقوف الشعبي الفلسطيني مع المطالب السورية في منتصف شهر تموز من العام الحالي عندما خرجت آلاف الجماهير الغاضبة في مخيم اليرموك احتجاجاً على اطلاق النار على متظاهرين في اليوم السابق وسقوط خمسة شهداء والتي خرجت بدورها احتجاجاً على خطف 17 جندياً من جيش التحرير الفلسطيني وقتلهم. كان اضراب المخيم تاماً في ذلك اليوم، وشكل التحرك ذروة التعاطف والتشارك بين الفلسطينيين والسوريين، لأن السكان الذين يعيشون في المخيم هم خليط من السوريين والفلسطينيين، وقد ردد الجميع شعارات الاحتجاجات السورية مضافاً اليها شعار "واحد واحد واحد.. فلسطيني وسوري واحد".

الفلسطينيون في قلب الصراع

في سوريا لا يمكن فصل الفلسطينيين عن السورين في معيشتهم وحياتهم وتداخلاتها، وكلما ازداد الصراع حدة ودموية، وجدوا أنفسهم داخل أتون هذا الصراع بصرف النظر عن مواقفهم ونواياهم. فهناك امكانيات تسمح للنظام باستخدام بعض الأدوات الفلسطينية، ليس تسليح القيادة العامة واقامة الحواجز في المخيمات الخيار الوحيد، فهناك جيش التحرير الفلسطيني الذي يأتمر بأمر أركان الجيش السوري، وطوال المرحلة الماضية من الصراع لم يتم الاقتراب منه وبقي يرابط في اماكن تواجده التاريخية، رغم أن بعضها أصبحت مناطق خطرة مثل قطنا ومصياف مكان معسكر التدريب التابع له. لكن في الآونة الأخيرة تم نقل وحدات منه لحماية مواقع سورية في غير أماكن تواجده التقليدية، وهو ما يعرضه الى الصدام مع الجيش الحر، خاصة في الأماكن الخطرة، وكان لاختطاف 17 عنصر من عناصر جيش التحرير في طريق عودتهم الى حلب وقتلهم بطريقة وحشية وقع الصدمة على الفلسطينيين، رغم أنه لم تحصل الى الآن اي اشتباكات بين الطرفين، فإنها ممكنه في أي وقت، بل وحتى أنها مطلوبة. وإذا كان هذا لم يحصل مع جيش التحرير، فإن اشتباكات محدودة حصلت بين مسلحي القيادة العامة والجيش الحر، وهو ما جعل الجيش الحر يوجه الانذار للقيادة العامة، ومن ثم يعلنها عدواً له.

لم تتعامل أطراف الحراك السوري مع الفلسطينيين بوصفهم كتلة واحدة، أو تأخذ الفلسطينيين بجريرة أحد ما، فقد ميزوا بين الأطراف التي اصطفت مع النظام وتلك التي لعبت دوراً في الوقوف الى جانب الشعب السوري والحراك ومساعدة. ولأن الصراع يزادد شراسة، فكلما اقترب من المناطق المحيطة بالمخيمات الفلسطينية، تجد المخيمات نفسها في مرمى النيران. هكذا وجد مخيم الرمل في اللاذقية نفسه تحت وقع اطلاق النار، وتكرر ذلك في درعا حيث هُدم جزء من المخيم، وحدث في مخيمات حمص وحلب، واخيراً في مخيم اليرموك في دمشق حيث سقط فيه أكثر من خمسين شهيداً في الشهرين المنصرمين.

من الواضح أن الفلسطينيين الذين حاولوا طويلاً أخذ مسافة من الصراع الدائر في سوريا، لقد نجحوا خلال السنة الأولى من الحراك السوري بالحفاظ على هذا الموقف، بصرف النظر عن مشاعرهم ومن يؤيد كل واحد منهم منفرداً في الصراع. مع الوقت وازدياد الصراع حدة ودموية، أخذ هذا الموقف يتفكك، وهم يجدون أنفسهم يُدفعون بحكم الواقع وضغوط الطرفين إلى قلب الصراع، في جغرافيا لا يستطيعون أن ينزعوا أنفسهم منها ولا أن ينزعوها من انتماءها الطبيعيي. كلما اشتد الصراع وتعمق وأصبح أكثر دموية، يجد الفلسطينيون أنفسهم يدفعون الثمن مثل كل السوريين، والمخيمات تتلقى القذائف مثل كل الأراضي السورية، ويدفعون دفعاً لاتخاذ موقف من الصراع المشتعل.