في غزة..باحثون عن لقمة العيش في حاوية القمامة

نبش القمامة- صورة أرشيفية

سناء كمال

(خاص) زمن برس، فلسطين: ما أن ينتهي مؤذن أحد مساجد بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة من إقامة صلاة الفجر ، حتى تُوقظ الأربعينية عبير (اسم مستعار) أصغر أولادها إسماعيل (7  أعوام) من نومه ليستعدا للانطلاق نحو وسط مدينة غزة سيراً على الأقدام، وتحديداً في المناطق التي تعتبرها "أكابر" (أحياء الأغنياء) للنبش في حاوياتها لعلها تجد ما تستصلحه لإطعام ست بنات ينتظرنها يومياً لإحضار بقايا (طعام الأثرياء).
وتسير عبير مسافة تزيد عن 8 كيلو متر، ما يقارب ساعة كاملة، سيراً على الأقدام لتصل مع بداية بزوغ الفجر، وتستطيع خلاله الرؤية دون الحاجة إلى مصابيح الشوارع، للنبش في حاويات القمامة المتمركزة في شوارع في "الأحياء الراقية" بمدينة غزة.

عادة اتبعتها عبير التي لم تظن ،ولا حتى بأحلامها أنها ستضطر، يوما إلى النبش في حاويات القمامة  تبحث فيها عن طعام لأطفالها السبعة أو ما ينوب عنه من البلاستيك والمعادن الذي تستطيع بيعه وتحصل على نقود تشتري بها طعام.

"شو بلزك على المر إلا الأمر منه"  اختصرت أم اسماعيل بهذه الكلمات حديثها لزمن برس توصف بها الوضع الكارثي الذي تعيشه مع عائلتها الصغيرة، خاصة بعد خسارتها منزلها بالكامل في الحرب الأخيرة على القطاع، وانقطاع سبل الأمل والتفاؤل لديها.

زمن برس رافقت أم اسماعيل التي التقتها في أحد شوارع حي تل الهوا إلى الكوخ الذي تعيش فيه بقرية أم النصر البدوية، التي بالكاد تَحصلَت على قطعة أرض صغيرة لا تتعدى مساحتها ال40 متر، شَيد فاعلو الخير كوخا لها ولأولادها ليعيشوا فيه، بعد أن تقطعت سبل الحياة بهم لإيجاد مأوى لهم عقب قصف المنزل الذي كانوا يعيشون فيه في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع.

وتقول أم اسماعيل لزمن برس:" كنت عايشة في بيت للايجار في مشروع بيت لاهيا انقصف البيت كله وضاع كل عفشي وغراضي وما قدرت احصل أي شي من المساعدات لأن البيت مش باسمي وكل المنح بتروح لصاحب البيت، ارتميت بالشارع مع اولادي واهلي وضعهم على قدهم ما فيهم يعيشوني مع ولادي، وزوجي ما بشتغل لانه مريض نفسي، اكتر من مرة نمت مع الولاد في منتزه المشروع لكن الحارس طلب مني اني اخلي المكان، وما لاقيت غير هذا المكان ولاد الحلال بنولي الكوخ وعايشة فيه لكن ما بحصل على أي مساعدة اطعمي فيها الولاد والمساعدة اللي بحصل عليها على فترات طويلة ما بتكفي اسبوع او  اتنين وبرجع للجوع من تاني".

 

وتضيف:" ما لاقيت قدامي حل غير اني ادور على أكل ولادي بالزبالة، وببعد عن منطقتي حتى أقدر انبش براحتي، وباخد ابني الصغير ليساعدني أو يراقبلي المكان اذا في ناس جاية على المكان بوقف عن البحث وبنتظر يبعدو وبعدها بواصل بحثي"، مشيرة إلى أنها لا تكون محظوظة بشكل مستمر، وربما يكون بحثها "على الفاضي" ومضيعة للوقت.

وتعتبر عبير نموذج يحاكي العشرات إن لم يكن المئات من المواطنين والمواطنات الذين ينبشون في القمامة لتحصيل لقمة عيشهم إما من بقايا الطعام التي تصلح أن تُأكَل أو البحث عن المعدنيات التي تصلح للبيع ويجني جامعوها من بيعها بضعة شواكل لا تتعدى 15 شيكل أو 20 شيكلا في أحسن الأحوال، إذا ما جمعوا أكبر قدر من المعادن أو المواد البلاستيكية يصلح تدوير صناعتها مجددا.

وارتفعت نسبة الفقر في قطاع غزة إلى 42.8% عقب العدوان الأخير على قطاع غزة  وفق احصاء أورده الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، وذلك بفعل تدمير الآليات الحربية الإسرائيلية أغلب المصانع واضطرار عشرات الآلاف من العمال للجلوس في منازلهم ليُضافوا إلى عمال إسرائيل الذين لزموا منازلهم بعد منعهم من التوجه إلى أعمالهم في إسرائيل منذ عام 2005.

وزارة الشؤون الاجتماعية تقدم مساعدات نقدية وعينية للفقراء والمحتاجين وذلك وفق كشوفات لديها بعد أن تكون قد أتمت معاينة ميدانية لتلك الأسماء وأثبتت أنها فقيرة فعلا، ولكن هذه الأسماء لا تمثل سوى 50% من مجمل الفقراء في القطاع، وفق ما صرح به رياض البيطار مدير عام الحماية الاجتماعية في الوزارة.

ويقول البيطار:" للأسف لا نستطيع سوى تغطية 65 ألف أسرة فقيرة، وهو أقل من نصف عدد السكان المندرجين تحت خط الفقر"، موضحا أن ما يتحكم في نسبة المستفيدين من المشاريع الإغاثية والتنموية هو التمويل المقدم لها من قبل المانحين وليست وزارته.

ولعل عدم قدرة الوزارة على تأمين كافة الأسر الفقيرة هو ما يزيد حنقة إبراهيم _اسم مستعار_ (35 عاما) عليها واتهامها بالواسطة والمحسوبية، خاصة وأنه لجأ إلى النبش بين النفايات للبحث عن البلاستيك والألومنيوم أو أي شيء يصلح للبيع بعد رفض طلبه الذي  قدمه للوزارة أكثر من مرة ليحصل على مساعدات وشؤون اجتماعية خاصة وأنه استوفى كافة أوراقه القانونية كما يقول لزمن برس.

ويضيف إبراهيم لزمن برس:" قاربت على السبعة أشهر وأنا أمتهن هذه المهنة بعد ما انسدت كل اأبواب في وجهي، عندي 8 أولاد ما بقدر اعيشهم والوزارة مش راضية تساعدني، والاولاد جعانين والحال كل ما ماله ما بضيق وما في مساعد غير رب العالمين".

ويخرج إبراهيم من بيته بصحبه جاره الذي يملك _كارو وحمار_ يسيران في شوارع غزة وينبشون أي حاوية قمامة يشعرون بأنها قد تحتوي على ما يبحثون عنه، ويقول ابراهيم لزمن برس:" ننبش طوال اليوم بين اكوام القمامة ولا نجني نحن الاثنين معا سوى20 شيكل وفي أحسن الأحوال 30 شيكل ونتقاسمها، ثم نرجع لبيتونا ورائحتنا قمامة ، ونحمل معنا هم اليوم التالي".

إبراهيم كان يعمل في أحد مصانع الباطون في القطاع، وبعد أن دُمر في الحرب الأخيرة اتجه "لنبش القمامة" ويعتقد أن "أغلبية الفقراء سيتجهون لهذه المهنة اذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه.

إبراهيم لا يبرئ السياسة مما يعانيه كما بقية المواطنين، حيث يقول:" اللي بفكر إنه اسرائيل هي اللي دمرتنا بكون غلطان، السياسيين تبعونا هما اللي نكبونا وانقسام حماس وفتح سمحت لاسرائيل تعمل فينا اكتر من هيك، الحل الوحيد هو ايجاد حل سياسي لكل اللي بصير فينا واسرائيل تبطل تشن حرب علينا، ويرجعوا يفتحوا المعابر ويبنوا غزة وقتها كل الظواهر اللي بنشوفها راح تختفي".

* الصورة الواردة مع الخبر "أرشيفية"

حرره: 
م.م