مفارقة الانتخابات الليبية

اظهرت النتائج الاولية بعد فرز جميع الاصوات في المدن والمناطق الليبية المختلفة عن اكتساح التحالف الوطني بزعامة محمود جبريل المقاعد المخصصة للقوائم، وفق ما كشفتة المفوضية العليا للانتخابات. والتي خصص لها (80) مقعدا من (200) لاسيما وان المفوضية تبنت النظام المختلط :القوائم والفردي او الدوائر.

من المؤكد من السابق لاوانه اعتبار التحالف الوطني بزعامة رئيس الوزراء الاول في زمن الثورة، يملك الاغلبية في البرلمان الليبي الاول منذ خمسة عقود خلت، وان دلت المؤشرات الاولية انه المنتصر الاول في الانتخابات بما يمثله من رؤى وتوجهات وطنية وليبرالية، لان المستقلين لهم (120) مقعدا في مختلف المحافظات. الامر الذي يدعو للانتظار لرؤية النتائج النهائية للقوائم والدوائر والاصطفافات، التي ستمثلها في البرلمان الجديد.

لكن اي كانت النتائج، فإن المفارقة الاساسية في تجربة الانتخابات الليبية، انها في نتائج القوائم اقصت الجماعات الاسلامية وخاصة حزب العدالة والبناء (حزب الاخوان المسلمين) والحزب الوطني الاسلامي بقيادة عبد الحكيم بلحاج، ريس المجلس العسكري اثناء الثورة لمدينة طرابلس. وهو مؤشر غاية في الاهمية، دلل على ابتعاد المواطنين الليبيين عن الجماعات الاسلامية لاكثر من اعتبار منها : اولا تجربة الجماعات الاسلامية في ليبيا نفسها اثتاء الثورة، وفي الفترة الانتقالية- الفاصلة بين الثورة والانتخابات التي جرت الاسبوع الماضي، اكدت للمواطنين جميعا، انهم ليسوا اهلا للقيادة، وانهم لا يختلفوا نهائيا عن نهج النظام السابق لناحية الاستبداد والاستئثار بالحكم.

ثانيا ترسخ الوعي الوطني والقومي في ليبيا خلال المرحلة السابقة، بغض النظر عن موبقات النظام السابق. وعدم تقبل المواطنون الليبيون العقائد الاسلامية الجامدة، وان كانوا جميعا يتبنون الاسلام المعتدل.

ثالثا تجربة الاحزاب والجماعات الاسلامية وخاصة الاخوان المسلمين في مصر وتونس واليمن والسودان والصومال وحتى في الجزائر المقيتة والمعادية لحرية الانسان والاوطان، وسقوطها في مستنقع الاستبداد والارهاب الفكري والجسدي على المواطن والوطن عموما. رابعا ادراك الليبيون ان الامارة القطرية القزمية ، التي لا تشكل اكثر من حارة ليبية كما قال السفير عبد الرحمن شلقم في برنامج "مع الحدث" الذي يبثه التلفزيون الالماني باللغة العربية مطلع نوفمبر \ تشرين الثاني 2011، سعت باموالها للاستحواذ على ليبيا، ودعمت لقاء ذلك جماعة الاخوان المسلمين والحزب الوطني الاسلامي وجماعات في المجلس الانتقالي الليبي. الامر الذي رفضه الليبيون، ولم يقبلوه نهائيا. خامسا ادراك وقناعة الليبيون ، ان حلف الناتو لم يقدم المساعدة لليبيا لسواد عيون الثوار ونجاح اهداف الثورة، وانما للسيطرة على النفط والثروات الليبية، فضلا عن افتضاح اهداف مخطط اميركا – اسرائيل التقسيمي لليبيا ، والذي من المفترض ان يلعب الاسلاميون دورا اساسيا في تنفيذه، في حال قدر لهم الفوز في الانتخابات ومن ثم تشكيل الحكومة. لمجموع هذه العوامل حقق التحالف الوطني النجاح والفوز الكبير في القوائم، وهو مؤشر على امكانية تفوق ممثليهم في الدوائر او الانتخابات الفردية.

ولعل من النقاط الفارقة في الانتخابات الليبية ايضا، التي تسجل لها على الانتخابات العربية الاخرى، انها الاولى منذ خمسة عقود خلت، ومع ذلك جرت دون ارباكات تذكر. مع ان الخشية لازمت المراقبين داخل وخارج ليبيا من فشل التجربة الانتخابية.

والاهم، ان ليبيا البلد الوحيد من بلدان الربيع العربي، الذي تدخلت فيه دول حلف الناتو بشكل عسكري مباشر، ومع ذلك سقط حلفاء اميركا والناتو في الانتخابات، وهو ما يؤشر الى ان الاستقواء الليبي بالناتو كان تكتيكيا ومؤقتا، وليس على حساب التوجهات الوطنية العامة. مبروك للشعب الليبي الشقيق انتصاره لذاته ولوحدته الوطنية ولقبوله مبدأ التعددية السياسية والحزبية واجراؤه الانتخابات التشريعية الاولى بعد الثورة دون ارباكات تذكر. والنصر الليبي مؤشر على مستقبل ومكانة الجماعات الاسلامية وخاصة الاخوان المسلمين في الساحات العربية المختلفة.