لا مؤامرة في تحقيق "الجزيرة"
</pذهب بعض الإخوة الأعزاء بعيداً، في تأويل هدف "الجزيرة" من تحقيقها الاستقصائي عن السم الذي أودى بحياة الزعيم الشهيد ياسر عرفات. إن ما قيل عن مؤامرة، غير مقنع. فقناة "الجزيرة" أرادت أن تصنع حدثاً لأنها مسكونة، فوق هاجس التغطية المميزة، بالتوجه الى صنع أرضيات للأحداث، وهذا لا يعيبها، مثلما كان يعيبها في مراحل سابقة المنهج التحريري في غرفة الأخبار، عندما كان يرأسها شخص بعينه، كان ينسجم مع التوجه السياسي لممولي "الجزيرة" في وقت معيّن.
فقد كنت أيام ذلك النهج، أنعت القناة بـ "أم جرير" المتسربلة بثياب خادمة الثورية والمقاومة، وهي منهما أبعد من الثرى عن الثريا! سبب دحض فرضية المؤامرة، تحليلاً لتقرير "الجزيرة" حول اغتيال زعيمنا ياسر عرفات بسم البولونيوم؛ ليس هو الدفاع عن القناه، بقدر ما هو التنبيه الى نقطة مهمة، وهي أن الذين يرون في التقرير مؤامرة تستهدف القيادة الفلسطينية، يبنون توقعاتهم أو حكمهم على ثرثرات محمد رشيد التي تلف وتدور لكي تختلق شُبهة جنائية تتعلق بواقعة التسميم، للنيل من القيادة الفلسطينية.
وهذا كلام تافه لا تقام عليه فرضية في مسألة التحقيق المتلفز، الذي لم يتناول سوى موضوع السم للتأكيد عليه، ولم يتعرض للمسألة الملغزة وهي كيفية دس السم، ولم يأت على ذكر برنامج الحياة اليومية لأبي عمار، في مأكله ومشربه ودوائه. إن لهذا الأمر سياق آخر، وبخلاف ما ورد في تراشقات عدة، تناولت أسماء مقربين وأناس كانوا حاضرين، منذ أن استشهد "الختيار" حتى الآن؛ في وسعنا الجزم أن لا تواطؤ حدث، من المستوى القيادي، سواء الأول أو حتى الرابع والخامس. فأبو عمار أرسى علاقات ذات بُعد نفسي وعاطفي، مع كل من عملوا معه، وكان عنده وفي كنفه، حتى للغضب سقفه وحدوده، كلما وقع خلاف. وبالتالي ليس وارداً أن يتواطأ أحد مع المحتلين، لاغتيال الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني! إن مسألة التواطؤ الداخلي مستبعدة تماماً.
و"الجزيرة" لم تتناولها. وإن كان بعض الإخوة يشيرون الى التوقيت، فإن أي شيء يُقال، في أي يوم من مسار النضال الفلسطيني والحياة الفلسطينية، من الآن وحتى قيام الدولة أو قيام الساعة؛ يصلح لأن يراه بعضنا توقيتاً استثنائياً ومشبوهاً يتزامن مع تطور آخر. فإن تحدثنا اليوم عن خلل أو خطأ أو مفسدة، سيبادر من يستشعر الضرر أو الخطر من الحديث عن إصلاح أو عن تطور في استجلاء أية حقيقة؛ عن شُبهة التوقيت، وربما يزيد فيقول: بينما نحن نمر في منعطف خطير، يقال هذا الكلام الذي لا يستفيد منه إلا العدو! القيادة الفلسطينية تعاطت بشكل إيجابي مع تحقيق "الجزيرة" وهذا طبيعي ومتوقع. والتحقيق ليس فيه ما يزعجنا. بالعكس، ربما يمثل في جانب من دلالاته، رسالة الى القتلة بأن أفاعيل اغتيال القادة الفلسطينيين لا تُطوى مع الزمن، وهذا يجعلهم يفكرون ألف مرة، قبل تكرار هكذا جرائم. فلا ينبغي أن يرسم مسار التحليل والتأويل، مشبوهون فاسدون دانتهم المحاكم.
فالمسألة تخصنا، وليست دفاعاً عن "الجزيرة" التي لا يؤثر فيها هجوم لكي تستجدي دفاعاً عنها. ثم لا يصح أن تؤخذ حماسة "حماس" في التعاطي مع التقرير المتلفز، وطلبها فتح تحقيق موسع؛ موضوعاً للسجال ومناسبة للتذكير بمواقف سابقة لـ "حماس" من الزعيم الشهيد. فلا ننكر على "حماس" حقها في الدفاع عن دم ياسر عرفات إن أرادت.
وهذه على أية حال وجهة نظر متواضعة نأمل أن تكون مقنعة!