هل تشكل الطائرة السورية أزمة للاردن؟

عمان: التطورات التي شهدتها الاردن أمس الخميس بعد لجوء الطيار السوري المنشق العقيد حسن مرعي الذي فاجأ الجميع بالهبوط في قاعدة عسكرية أردنية ثم المطالبة باللجوء السياسي، والتلميحات الصادرة عن وزارة الخارجية الأردنية عصر الخميس تفيد بأن الجانب الأردني لا يملك خيارا إلا الإحتكام لإتفاقية جنيف.

وإتفاقية جنيف تقول بوضوح بأن السلطات الأردنية مضطرة لتأمين سلامة الطيار الشخصية على الأقل مما يعني الإمتناع عن تسلميه رسميا للحكومة السورية التي سارع سفيرها في العاصمة الأردنية كما علمت "القدس العربي" لإجراء إتصالات وتقديم مذكرة رسمية تطالب بتسليم الطائرة والطيار معا.

بالنسبة للطائرة يرجح أن تختلف المسألة فبعض الأوساط الأردنية تتحدث عن إحتمالية قوية لإعادة الطائرة وفقا لترتيب سابق متفق عليه مع الجانب السوري تحدثت عنه صحيفة عمون الأردنية، الأمر الذي أعلن الجيش السوري الحر بأنه يعارضه عندما تمنى على الحكومة الأردنية الإحتفاظ بطائرة الميغ 21 لإنها ستستخدم في قصف الشعب السوري لاحقا لو تم تسليمها.

عمان وبمجرد الإعلان عن الحادث إشتعلت بالإتصالات الرفيعة على أعلى المستويات حيث أجرت السفارات الغربية وتحديدا الأمريكية والبريطانية والفرنسية إتصالات سريعة جدا مع وزارة الخارجية الأردنية قوامها كما أفاد مصدر مطلع الضغط على الأردن لمنع تسليم الطائرة والطيار والإحتفاظ بهما معا.

وحسب الناطق بإسم الجيس السوري الحر كانت الطائرة متجهة لمهمة قتالية قوامها قصف بلدات بأكملها في منطقة درعا المحاذية للأردن وهو ما أكدته وكالة الأناضول التركية أيضا عندما بثت تقريرا حددت فيه خريطة القصف التي كانت الطائرة موكله بها وهي بلدة الحراك في محافظة درعا.

ورغم غابة الإتصالات والسيناريوهات تحاول الحكومة الأردنية التعامل بهدوء مع هذا التطور المفاجيء واللافت في الملف السوري حيث تخشى دمشق أن يشكل الأردن (ملاذا مفضلا) للمزيد من المنشقين بحكم قربه الجغرافي وبحكم الموقف السياسي الأردني المعلن الذي يعارض العمل العسكري ضد النظام السوري ويرفض المشاركة العلنية في نشاطات حدودية ذات طبيعة سورية لكنه بنفس الوقت يستقبل أعضاء الجيس السوري الحر كلاجئين ويرفض تسليمهم. بعض التقارير في عمان تحدثت عن إتفاقيات عسكرية سورية أردنية تمنع عمان من الإحتفاظ بالطائرة والأردن لا زال يحسب خياراته الأمنية في مسألة الطائرة اللاجئة سياسيا وإن كان بضغط السفارات والسعودية تحديدا قد حسم خياراته الدبلوماسية لصالح معايير جنيف فيما يتعلق بالطيار العقيد ومساعده النقيب كما طالب الجيش السوري الحر عبر الجزيرة.

أما الطائرة نفسها فستكون على الأرجح (أداة القياس) الأخطر لتحديد مسار العلاقات بين البلدين خلال الأيام القليلة المقبلة. هنا حصريا دائرة الخيارات ضيقة جدا فالإمتناع عن تسليم الطائرة السورية يعني عدم الإلتزام بإتفاق سابق بين الجانبين والإستعداد لحملة (عدائية) من نظام دمشق لا يمكن توقع أين ستنتهي وهو خيار لا يبدو أن عمان متهيئة فعلا له وإن كان مليئا بالهواجس وخصوصا الأمنية في ظل التسريبات عن خلايا نائمة تابعة للمخابرات السورية وجاهزة للعمل عند الضرورة إذا ما تخاصمت عمان مع دمشق وإنقلبت عليها.

أما تسليم الطائرة إستجابة لمذكرة السفير السوري بهجت سليمان وبسرعة فيعني الصدام مع التحالف الباطني الذي يدير الحرب من وراء الكواليس ضد الرئيس بشار الأسد وجيشه وقواته وهو تحالف لا تستطيع عمان مواجهته دوما إلا بشكل جزئي خصوصا وهي بإنتظار حزمة مساعدات مالية تنقذ الإقتصاد المحلي.

لذلك يبدو الموقف معقدا تماما فموقف عمان حتى إعداد هذا التقرير الإحتفاظ بالطيار ومنحه اللجوء السياسي حسب معايير جنيف والتفكير بتسليم الطائرة أما موقف دمشق فتريد الطائرة والطيار وبسرعة وتستطيع التغاظي مؤقتا عن مسألة الطيار إذا ما سارعت عمان لتسليم الطائرة. المفاوضات إشتعلت فورا خلف الكواليس تحت العناوين سالفة الذكر والبوصلة لم تتقرر بعد خصوصا وان القيمة الإستخبارية لجسم الطائرة ومعلومات الطيار تشكل بالتأكيد (صيدا ثمنيا) من الواضح أن بعض الأطراف تسعى إليه فيما عمان وقفت محتارة قليلا إلى أن ينقضى الأمر. المفاجأة الأبرز برأي المحللين السياسيين تمثلت في أن الحكومة الأردنية سارعت لتسييس المسألة التي كان يمكن إخفاء تفاصيلها عبر الإعلان عن تقدم الطيار السوري وسط ظروف وملابسات غامضة بطلب اللجوء السياسي وهو إعلان يعني ضمنيا بأن الطلب سيجاب سياسيا ما دامت أجهزة الدفاع الجوي قد تغافلت عن حركة الطائرة المقاتلة وسمحت لها بالهبوط.

وليس سرا هنا أن الطيار السوري حصل على إذن الهبوط في قاعدة هي الأقرب للحدود بين الأردن وسورية وهي قاعدة الملك حسين الجوية التي كانت دوما منطقة أساسية في تأمين الدفاع الجوي الأردني والتي يقال أنها شهدت أحداث مهمة في حالات الإحتقان الأمني والعسكري المشترك بين البلدين على خلفية أحداث الأردن الداخلية عام 1970. وقبل الإعلان عن طلب الطيار السوري بـ24 ساعة فقط نشرت في عمان تقارير صحافية عن تزويد الولايات المتحدة للأردن بمساعدات عسكرية مخصصة لحالات الطوارىء وفقا لتصريح أصدرته السفارة الأمريكية في عمان لصالح صحيفة 'الغد' المحلية.

الحادث سيفتح سياسيا وإعلاميا صفحة جديدة في عمق العلاقة الحالية بين البلدين مهما كانت نتائجة ومحللون سياسيون يتوقعون أن تبادر الحكومة السورية لطلب تسليم الطائرة والطيار لدمشق أما مستقبل ومستوى التوتر السياسي بين البلدين فمرتهن عمليا الأن بالرد الأردني الرسمي على الطلب السوري عندما يتعلق بإستعادة الطائرة والطيار. والحادث بنفس الوقت يفتح العلاقة بين البلدين المتجاورين على إحتمالات أسوأ مستقبلا أو إحتمالات محرجة وضيقة خصوصا بعد مناورات الأسد المتأهب التي جرت في الأردن وقيل بأن هدفها تأمين مخازن السلاح السوري الكيميائي والصاروخي في حال حصول فوضى في سورية وإنهيار النظام.

ميدانيا وعسكريا يزيد الحادث من تعقيدات موقف معقد أصلا في الميدان فجميع الأجهزة الأمنية والعسكرية الأردنية منشغلة أصلا بتأمين الوضع الحدودي شمالا مع سورية ومصدر أردني رفيع المستوى سبق أن أخبر ا لقدس العربي بأن مشكلة العمل العسكري ضد سورية أن (منطقة الإشتباك) الجوية إذا ما حصل عمل عسكري ستكون معقدة جدا وحساسة للغاية، الأمر الذي يثبته اليوم حادث الطائرة التي يبدو أن قائدها سيحظى بصفة اللاجئ السياسي ما دامت الحكومة الأردنية قد سيست الموضوع وصرحت به ولم تتركه ملفا عسكريا وأمنيا فقط.

آ ج