مصر: ما زال الصراع على السلطة مستمراً !
الإعلان المبكر للإخوان المسلمين عن فوز مرشحهم قبل الانتهاء من فرز الصناديق، جاء دون وجه حق، ذلك أن إعلان الفائز إنما هو من اختصاص لجنة الانتخابات، وليس من اختصاص حملة هذا المرشح أو ذاك، رغم أن حملتي المرشحين تقوم تباعا بتسجيل نتائج فرز اللجان المختلفة، ومن الطبيعي أن تقوم بجمع أصوات مرشحها أولا بأول، لكن القصة ليست بهذه البساطة، فحتى نتائج الفرز لا تعدّ النتيجة النهائية ما لم يقر المنافس بالنتيجة، وذلك لتوافر احتمال بطلان بعض نتائج الاقتراع، بسبب مخالفات ما، وهذا يحدث في كل دول الدنيا، كما أن النتائج المتقاربة تفرض أن تظل النتيجة معلقة حتى فرز آخر صندوق، والى أن تعلن لجنة الانتخابات النتيجة رسميا . هل كان هذا السلوك الذي اتبعه الإخوان درءا لتزوير محتمل، كما يدّعون، أم ممارسة للضغط والإكراه على القضاة وعلى الشارع وعلى الجميع، وتحضيرا للدفع بكوادر الحركة وعناصرها للتجمع في ميدان التحرير لفعل واحدة من اثنتين: إما ممارسة فعل الابتهاج أو ممارسة فعل الاحتجاج ؟!
في الحقيقة أظهرت عملية الاقتراع في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة المصرية بأن الصراع الداخلي محتدم جدا بين قوتين تؤثران على نصف المجتمع المصري تقريبا، ورغم أن نسبة الاقتراع قد تجاوزت نصف من يحق لهم الاقتراع، وهي نسبة كبيرة مقارنة بما يحدث في الدول الديمقراطية العريقة ( فرنسا أو أميركا ) إلا أنها تؤشر إلى مستوى من الإحباط يظهر على الشعب المصري أو على نسبة كبيرة منه، لأن حجم التوقعات من الثورة كان اكبر بكثير من المتحقق، خاصة وان هذا الشعب وضع تحت خيارين: إما الاختيار بين قوة الجيش أو بين الإخوان المسلمين، وإذا كان محمد مرسي مرشح الإخوان بشرطة حسب وصف حمدين صباحي، فان أحمد شفيق كان عسكريا بشرطة من الجهة الثانية. وكان المرشحان احتياطيا للمرشحين الصريحين:
خيرت الشاطر وعمر سليمان، أما نصف المجتمع المصري، فقد كان نصف النصف مغلوبا على أمره؛ لا يهتم بالانتخابات أصلا، خاصة أولئك الذين يعيشون في المناطق النائية والفقيرة جدا، فيما كان نصفه الآخر قد اتخذ قرار المقاطعة عن وعي وكشكل احتجاجي على المرشحين، وهذا الوسط يمثل اليسار بمستوييه السياسي والاجتماعي . فيما كانت المعركة تحتدم في الشارع بين المرشحين حول الفوز بأصوات الناخبين كان المجلس العسكري يقوم بترتيب البيت من الداخل بهدوء، وبسبب من غباء مختلط مع شهوة واضحة ومقيتة للسلطة عند الإخوان، عندما أصروا على مشروع قانون العزل غير الدستوري الذي اتخذته أغلبيتهم البرلمانية، فكان من نتيجة ذلك أن فقدوا تلك الأغلبية وفتحوا الباب لحل مجلس الشعب دخلوا في معركة مع القضاء , وبذلك لم يحتمل الأخوان معركة مثلثة الأضلاع في وقت واحد : مواجهة الجيش والقضاء والوسط السياسي التقليدي , الذي يساند شفيق في معركة الانتخابات . سرعان ما تراجع الأخوان تكتيكيا , فقد رفضوا سحب مرشحهم محمد مرسي من السباق الرئاسي , وواصلوا خوض المعركة متحالفين فقط مع السلفيين , مفضلين خوض المعركة مع خصومهم بالتتابع , لكن جاء دور الجيش بعد القضاء , حيث سارع المجلس العسكري ,
الذي لا يمكنه أن يقبل " رئيسا أخوانيا " كما سبق واشرنا من قبل في مقالة هنا , قائدا أعلى للجيش المصري , فسارع إلى إعلان الإعلان المكمل للإعلان الدستوري , الذي يشل من صلاحيات الرئيس الجديد , ويبعد يده عن الجيش بالذات , الذي تولى مسؤولية التشريع أيضا في ظل حل مجلس الشعب . بالطبع المعركة شرسة وصعبة على الطرفين المتنافسين , اللذين يمثلان الوسط السياسي التقليدي ويمين الوسط السياسي المحافظ , فبإعلانه أثر المجلس العسكري سلبا على حملة شفيق , ذلك أن الناخب المصري الذي يتحفظ من تولي جهة واحدة كل السلطات , تعاطف مع الأخوان في معركة الرئاسة , بعد أن فقدوا سلطتهم التشريعية . وحتى بعد إعلان لجنة الانتخابات التي قد تتريث قليلا _ على الأقل _ لتهيئة الشارع المصري لتقبل نتيجة انتخابات الرئاسة التي ستكون مخيبة لنصف المقترعين ,
صاخبة لصنفهم الآخر , فيما ستكون غير مثيرة لنصف الشعب المصري . وفي الحقيقة أن السبب الحقيقي سيكون , دليلا على عدم انتهاء المعركة بعد , وأنها إن لم تعد للمربع الأول , فإنها ستستمر , ومعها تستمر الحقبة الانتقالية , أو يستمر مستوى ما من عدم الاستقرار ,
والجيش يضع الأخوان أمام خيارين صعبين : إما قبول صيغة الشراكة السياسية بكل مكوناتها معا أو رفضها معا، أي قبول أن تكون سلطة الإخوان غير مطلقة بقبول نتيجة انتخابات الرئاسة التي يفوز فيها مرشح الجماعة مع قبول الإعلان الدستوري الذي يحد من صلاحياته أو رفض النتيجة والإعلان والعودة , مجددا للمربع الأول . المهم أن الإخوان باتوا خارج دائرة "الثورة الديمقراطية ـ المدنية "، أو على الأقل ليسوا قيادتها، والقصة تشبه إلى حد كبير ما يحدث في فلسطين من صراع بين فتح وحماس , حيث هما حركتان غير ديمقراطيتين، ولا تمثلان المجتمع المدني، وبذلك فأنه كما حدث في فلسطين، حيث ما زال الصراع قائما بين الحركتين فان الصراع سيبقى مستمرا بين قوتي الوسط التقليدي واليمين السياسي في مصر ,
طالما أن القوة الثالثة ما زالت غير حاسمة، ففي اللحظة التي تكون فيها كذلك تقترب القوتان المتصارعتان من مربع الشراكة الذي وحده يحمي مصر من مخاطر الانقسام . بالصيغة الحالية، ودون مجلس شعب ودون دستور لن تكون المفارقة في تنصيب مرسي رئيسا، متمثلة فقط فيمن سيقوم بأداء اليمين أمامه، بل في صلاحياته التي تشبه إلى حد بعيد ما حدث مع أول رئيس للجمهورية الأولى محمد نجيب الذي كان رئيسا شكليا، أو واجهة سياسية وحسب، محمد مرسي رئيسا لن يكون أحسن حالا، فهو مسؤول أمام المرشد العام ونائبه ومجلس شورى الإخوان المسلمين، ومضطر للخضوع أو على الأقل لأخذ قوة الجيش بعين الاعتبار، تماما كما هو الحال في تركيا، ثم بعد ذلك، فإن الجيش سينسحب من الواجهة السياسية أو من واجهة المسؤولية إلى الكواليس دون أن يتراجع مكانته التي ستكون بين ما كان عليه حاله قبل تنحي مبارك من سلطة تحت سلطة الرئيس، وما كان عليه حين تولى صلاحيات الرئيس كاملة ليسيطر على نفسه على الأقل، فيما يواجه رئيس الإخوان مشاكل مصر بصدر عار، وليس ذلك وحسب ولكن أيضا معارضة تقليدية تنظمت بشكل جيد خلال حملة شفيق الذي قد يشكل حزب المعارضة الأهم , الذي يرث الحزب الوطني _ مثلا _ ومعارضة مدنية , ربما تعيد تحريك ميدان التحرير مجددا , في وجه الأخوان , ليس من اجل الديمقراطية السياسية هذه المرة، ولكن من اجل الخبز والحرية والعادلة الاجتماعية، وحل مشاكل الدولة الاقتصادية التي ستتفاقم، ما لم يتوافق الإخوان مع النظامين الإقليمي والكوني، ويتجنبوا "حصارا أو مقاطعة " كما حدث مع حماس في غزة .