مصر تختار: بين الدولة.. والجماعة !!
لم يتبدد بعد القلق الذي أثارته أحكام "الدستورية العليا" بشأن عدم دستورية قانوني العزل وانتخابات مجلس الشعب، إذ سادت تخوفات موضوعية من أن قرارات الدستورية هذه ربما ستتخذ ذريعة من قبل جماعة الإخوان المسلمين لإحباط جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة بعدما أيقنت أن فرصة نجاح مرشحها باتت محدودة، إلاّ أن الأمر صار عى خلاف ذلك، ونجحت الجماعة في "تجاوز" الدستورية والمضي قدماً نحو جولة إعادة الانتخابات الرئاسية، إلاّ أن ذلك لم يكن كافياً لإزالة القلق من احتمالات المستقبل القريب، بل ساعد في زيادته أن قبول الجماعة والانصياع لقرارات الدستورية، لا يطمئن، إذ إن هناك تخوفات إضافية، ربما رسمت الجماعة سياستها على أساس الرهان على أهم مقولاتها الموازية للعملية الانتخابية:
"إذا لم يفز مرشحنا، فإن ذلك يشير إلى عدم نزاهة الانتخابات"، أي أن الجماعة ضمنت الفوز، وإلاّ، فالقيامة ستقوم في الشارع المصري، خاصة أن مرشح الجماعة، محمد مرسي، وحسب محمد مهدي عاكف، المرشد السابق للجماعة "مرشح الله" بينما أمينة المرأة في "الجماعة" الدكتورة منال أبو الحسن، تقول إن محمد مرسي "مدعوم من الله" وهذا يعني ببساطة، أن عدم فوزه في الانتخابات الرئاسية إنما هو عمل شيطاني ضد إرادة الله، حسب توصيفات الجماعة، وفي هذه الحالة، فكل الاحتمالات واردة في مواجهة الشيطان!. وربما يعود عدم اختيار الجماعة، لخيار الانسحاب من الانتخابات الرئاسية، وهو الأمر الذي طرحته بقوة بعض قياداتها، كما اقترحته أطراف أخرى، خاصة المرشحين الرئاسيين الخاسرين، كحمدين صباحي، يعود ذلك إلى أن فرصتهم في منازلة شفيق، حتى بعد فوز الأخير، أفضل مما لو كان الخصم بحجم وقوة حمدين صباحي، وفي هذا السياق، يقول بعض المحللين المصريين إن الجماعة كانت تنافق مؤخراً عندما طالبت بإقرار قانون العزل، إذ إن من مصلحتها إقرار "عدم" دستورية هذا القانون، لأن عزل شفيق يضع مرشحها في منافسة مباشرة مع حمدين صباحي، وإذ كان الأول من الفلول، ويخشى من أن فوزه سيعيد النظام السابق، حسب زعم الجماعة، فماذا ستقول عن صباحي؟!
خاصة وأن الجماعة حاولت خلال الحملة الانتخابية المستمرة قبل وبين جولتي الانتخابات الرئاسية، أن تضع (الفلول) في مواجهة "الإسلام" وهي مواجهة مزيفة وخاطئة تماماً، لأنها في الواقع، بين الدولة المدنية والدولة الدينية. وعلى خلاف الجولة الانتخابية الأولى، فإن الثانية تميزت في ساعاتها الأولى على الأقل، بإقبال أقل على صناديق الاقتراع من قبل الناخبين، بالتوازي مع دعوات جديدة وطارئة من قبل فئات "ثورية" مختلفة بالمقاطعة، أو بإبطال التصويت، أي بالذهاب للانتخاب على شطب المرشحين، حتى تصبح الورقة الانتخابية باطلة، مجموعات يسارية وعلمانية محدودة التأثير، نظمت الدعوة لإبطال التصويت، أو المقاطعة على الأقل، بحجة أن هؤلاء ضد كل من المرشحين، شفيق ومرسي، غير أن هؤلاء، سواء يعلمون، أو غير ذلك، إنما سيفيدون مرشح الإخوان مرسي، في حالة المقاطعة أو الإبطال، إذ من المعروف أن كتلة الإخوان الانتخابية، كتلة "مصمتة" ستذهب بالكامل إلى صناديق الاقتراع، ولن يؤثر في ذلك المقاطعة أو الإبطال، بينما ستؤثر على المرشح الآخر، شفيق الذي ليس لديه مثل هذه الكتلة المنظمة، وبالتالي فإن مثل هذه الدعوة، غير منصفة، ولا تعبر في حقيقتها عن رفض كلا المرشحين، بل تسهم بشكل غير مباشر في الوقوف مع مرشح ضد آخر، وتعبر عن مراهقة ثورية ذات طبيعة رومانسية سياسية، تشير إلى عدم خبرة "شباب الثورة" بالعمل السياسي والتنظيمي.
وإذ حكمت "الجماعة" على العملية الانتخابية بالتزوير في حالة فوز شفيق، فإن لهذا الحكم تعبيراته المرتقبة على الأرض، والواقع أن الجمهور، لا يبدي تخوفاً في حال فوز مرسي، إذ لن تكون هناك تداعيات خطيرة على الأرض، فهذا يعني من وجهة نظر الجماعة أنه فوز من عند الله في إطار انتخابات شفافة تماماً، لكن الجمهور يبدي تخوفاً من أن تجر البلاد إلى أتون صراعات داخلية لا يعرف أحد كيف ستنتهي في حال فوز شفيق، وفي حين أن الناخبين الذين اختاروه، إنما أرادوا لبلادهم الاستقرار والأمن وحكم الدستور والقانون والتطلع نحو المستقبل، فإن هذا الحلم بالاستقرار سيتبدد منذ لحظة الإعلان عن فوزه، لتأكيد الجماعة للمصريين عموماً، أن شفيق لا يعني الاستقرار، بل يعني موجات انقلابية داخلية وصراعات وتكتلات في مواجهة تنصيبه رئيساً للدولة.
وبفرض، أن الأمور قد استقرت، بفوز أحد المرشحين، فكيف سيصبح وضع المعارضة المصرية؟! هناك اعتقاد واسع، بأن شفيق رئيساً، سيكون منفتحاً على المعارضة، يقبل بها، كأسلوب ديمقراطي طبيعي، كون المعارضة جزءاً من النظام السياسي الذي لا يستقيم الحكم فيه دون معارضة جادة ومنظمة وملتزمة بالدستور والقانون، وسيكون مجال عملها واسعاً وبلا حدود، وأكثر جرأة في طرح مواقفها ومزاولتها ومعارضتها بشكل بناء، وتسعى في إطار القانون، للإعداد كي تستلم السلطة في الانتخابات الدورية القادمة.
لكن، ما هو وضع المعارضة المصرية في حال فوز مرسي؟! يقال بهذا الصدد، إن المعارضة ستنكفئ في الغالب على نفسها، فهي ليست في مواجهة بشر من لحم ودم، بل في مواجهة مع الاختيارات الإلهية، فالمعارضة في هذه الحالة، ما هي إلا جماعة من الكفرة الزناديق، وسيل الفتاوى من قبل "المرشد" والشيوخ المشتغلين بالإفتاء لصالح الجماعة، ستضع الدستور والقانون الوضعي جانباً، وتحكم بتفسيراتها الخاصة للقرآن الكريم والسنة النبوية، فمن بمقدوره مواجهة مثل هذا الوضع الذي ينتقل بالمعارضة من الأرض إلى السماء؟
ومن دون شك، ونحن لا نزال نتابع أعمال الجولة الثانية في انتخابات الرئاسة المصرية، فإننا نتعرف إلى ما يخبئه المستقبل لجمهورية مصر العربية بعد أيام، وربما ساعات قليلة مقبلة، لكن الواضح، أن فترة طويلة من عدم الاستقرار ستظل هي البيئة الحاضنة للتطورات المرتقبة، خاصة في ظل غياب دستور دائم، وغياب البرلمان وعدم وضوح صلاحيات الرئيس بشكل كاف، هي أزمة خطيرة، نعلم أن الأشقاء المصريين، سيخرجون منها في نهاية المطاف، لكننا نأمل أن يتم ذلك بأقل الخسائر!.