مقترحات نتنياهو ـ باراك: أكبر من مناورة!!

مرة أخرى، يطرح الجانب الإسرائيلي فكرة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بيهودية دولة إسرائيل، إحدى المرات التي طرحت فيها هذه الفكرة، كانت عندما جاءت في سياق رد نتنياهو على خطاب الرئيس أوباما في جامعة القاهرة عام 2009، ذاك الخطاب الذي حدد ـ كما كان يظن ـ السياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط، بعد ذلك بشهر تقريباً وفي خطاب لنتنياهو في جامعة بار ـ إيلان، طرحت هذه الفكرة التي اعتبرت في حينه تهرباً من الاعتراف بحل الدولتين وفقاً لتصور اللجنة الرباعية الدولية، والذي صادق عليه مجلس الأمن الدولي في ذلك الوقت.

وقد شكل مؤتمر التحديات الأمنية في القرن الـ 21 الذي عقد مؤخراً في مركز بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، منطلقاً لهذه الفكرة القديمة ـ الجديدة، عبر عنها رئيس الحكومة الإسرائيلية بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، بينما عبر عنها وزير الأمن الإسرائيلي باراك بـ "عملية انسحاب من جانب واحد من الضفة الغربية" ومرة أخرى، فإن هذا الطرح ليس أكثر من تأكيد عملي على أن إسرائيل تتهرب من استحقاق حل الدولتين، بذريعة عدم توفر فرص لاستئناف العملية التفاوضية، مع أنها هي التي لا تزال تضع العقبات في وجه هذا الاستئناف من خلال المضي قدماً من جانبها في العملية الاستيطانية على أوسع نطاق.

ومع أن الأسابيع الأخيرة، شهدت شكلاً من التفاوض بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، سواءً في العاصمة الأردنية عمان، أو من خلال الرسائل المتبادلة بين الجانبين، إلاّ أن مثل هذا الاقتراح، وحسب ما تداولته وسائل الإعلام الإسرائيلية والفلسطينية، لم يتم تداوله خلال تلك المباحثات، وهذا يذكرنا ربما بحقيقة أن إسرائيل تتصرف، حتى في ظل المفاوضات، وكأنها اللاعب الوحيد المقرر، حدث ذلك في السابق أيضاً، عندما تحدث رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أريئيل شارون عام 2004، عن نية إسرائيل الانسحاب من مستوطنات قطاع غزة، وبالفعل تم الانسحاب من جانب واحد بعد هذا التصريح بعام، أي في عام 2005، ومن جانب واحد ومن دون أي مساهمة بأي شكل من الجانب الفلسطيني. وتصريحات نتنياهو ـ باراك، هذا الأسبوع، قد لا تختلف كثيراً من حيث النوايا، وبين ما أقدمت عليه حكومة شارون، فالأمر ليس مجرد تسريب أو بالون اختبار، وينبغي والحال هذه، أخذه من موقع الجد والحذر والاستعداد، خاصة وأن إسرائيل استكملت خلال السنوات القليلة الماضية معظم الطرق الالتفافية اللازمة للانفصال عن المواطنين الفلسطينيين، ولعل الأزمة المتعلقة بالمستوطنين والمستوطنات في ظل أحكام قضائية واجبة التنفيذ، ما شجع نتنياهو ـ باراك، على التخلص من أزمات شبيهة، باللجوء إلى تحقيق الدولة منزوعة السلاح هذه، ومن خلال انسحاب من جانب واحد، تحدد حدوده ومواصفاته دولة الاحتلال.

في تبرير هذا الاقتراح ـ الحل، يقول نتنياهو أمام المؤتمر، "إنه خلافاً للرأي السائد، فإن السلام بيننا وبين الفلسطينيين لن يضمن السلام العالمي" وكأنه بذلك يقول إنه لا حاجة من قبل المجتمع الدولي للضغط باتجاه تحقيق السلام في الشرق الأوسط وخاصة على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بحجة أن تحقيق ذلك، سيضمن السلام الشامل في المنطقة. يقول نتنياهو من خلال كلمته هذه، إن ملف التسلح النووي الإيراني، وتزايد نفوذ الإسلام السياسي في المنطقة، وتداعيات الربيع العربي، هي العناوين الأساسية التي يجب أن تستأثر باهتمامات الرأي العام العالمي، باعتبار أن حل هذه الملفات، هو الذي سيوفر الأمن والاستقرار في المنطقة، ومن الممكن لنتنياهو أن يؤكد ذلك، بالقول إن تجميد العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي لم يؤد إلى زيارة حدة التوتر في المنطقة، بينما العوامل والملفات الأخرى المشار إليها، هي التي باتت عنواناً لوضع المنطقة على حافة الخطر، وبالتالي فإن المجتمع الدولي يجب أن يندفع لإيجاد حلول لهذه المخاطر، عوضاً عن هذا الجهد المبذول لاستئناف العملية التفاوضية. ويتخذ كل من نتنياهو وباراك من توسيع الحكومة الإسرائيلية مؤخراً بضم حزب كاديما إليها وحصولها على 94 مقعداً في البرلمان ـ الكنيست، سبباً لمثل هذه الاقتراحات والحلول، باعتبار أن مثل هذه الحكومة الموسعة، في حال اتخاذ قرار ما حول هذه المسائل، ستجد سنداً برلمانياً معبراً عن أغلبية واسعة، بحيث يتم إقرار خطوات فعلية من دون الخشية على إسقاط الحكومة.

باراك قال حرفياً أمام المؤتمر المذكور: إن تمتع الحكومة بـ 94 صوتاً يعني أنه "جاء الوقت للمبادرة لعملية سياسية" والمبادرة ما هي إلاّ دولة مسخ منزوعة السلاح تأتي من خلال انسحاب من جانب واحد. لعلم الجانب الإسرائيلي، ان الفلسطينيين رفضوا مثل هذه الحلول مراراً وتكراراً وليسوا في وارد التخلي عن عملية تفاوضية بعد وقف الاستيطان، تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية. دعوة نتنياهو للرئيس عباس، من على منبر المؤتمر المذكور للعودة إلى المفاوضات، لا تعبر إلاّ عن استمرار حكومة نتنياهو في إظهار تطلعها نحو السلام بينما الجانب الفلسطيني يعارض هذا التطلع، وفي حال استجاب الفلسطينيون إلى عملية تفاوضية في ظل ميزان القوى القائم، ومع استمرار العملية الاستيطانية والتهويد، فإن مثل هذه العملية لن تتمخض سوى عن حل انتقالي أساسه دولة ذات حدود مؤقتة غير مترابطة في ظل استمرار الأنشطة الاستيطانية وعمليات التطهير العرقي وسياسات التهويد، وتعلم إسرائيل أن مثل هذه الدعوة مرفوضة تماماً، ما يجعلها تلجأ إلى الحلول من جانب واحد.

ونعتقد أن النظر إلى هذه المقترحات، أو "المبادرات والحلول" الإسرائيلية باعتبارها مجرد بالونات اختبار، هو الخطأ بعينه، قد لا تلجأ حكومة إسرائيل إلى حل من جانب واحد، إلاّ أنها أيضاً قد تفعل ذلك مستفيدة من ظروف تساعدها على الإقدام على مثل هذه الخطوة، والواجب يتطلب، ليس فقط الاستنكار والإدانة، بل وضع مثل هذا السيناريو في حساباتنا وبالتالي اتخاذ الخطط والتوجهات السياسية اللازمة لدحر هذا السيناريو قبل أن يتحقق على الأرض، وحتى في حال الفشل في ذلك، يتوجب أن توضع الخطط لمواجهة هذا الاستحقاق على الأرض وعلى المنابر الدولية.