محمد رشيد وبؤس الصامتين
لعل الأكثر غرابة وإيذاءً، من "ذاكرة" محمد رشيد "السياسية" هو غرابة وأذى الصمت الذي لاذ اليه مَن يُفترض أنهم المعنيون بوضع النقاط على الحروف، من أولئك الذين عايشوا الأحداث التي يسردها رشيد. ولا يختلف اثنان، على كون الأخ أبو مازن دون سواه، مضطراً الى تنـزيه موقع الرئاسة، وشخصه الاعتباري، عن الدخول على خط هكذا سجال، والاكتفاء بالحث على جلب المتهم! حول هذه النقطة المتعلقة بالصمت، سأكتفي بسطور قليلة. فالمستنكفون عن الإيضاح، وبعضهم يستشهد بهم رشيد في أحاديثه، لا ينوون النطق كما يبدو، ولو من باب الإنصاف لتاريخ العمل الفلسطيني، ولتقاليد الأداء الوطني. فهؤلاء يعرفون قواعد العمل الصحيحة المفترضة، على صعيدي الاتصالات السياسية، والضوابط المُلزمة للعناصر المكلفة بمهام الاستثمار، لصالح حركة وطنية فقيرة، تتحمل أعباء الصرف على أسر شهداء، وعلى أسر مناضلين متفرغين، وعلى بناء مؤسسات كيانية وطنية، يتطلب بناؤها التمسك بأي قرش مُتاح. رشيد يزعم أن الشهيد ياسر عرفات، الذي لم يفكر طوال حياته، في أن يأخذ شيئاً لنفسه، يراود رشيد على امتلاك أسهم رابحة.
هو يود أن يشرح سر ثرائه، على قاعدة أن هذا الثراء، بات لغزاً بالنسبة لحاقدين وموتورين يتقصدونه. يُحيل أول التفسير وآخره، الى الرجل الذي بات في دار الحق ولا ينطق. وفيما هو يتحدث، عبر شاشة "العربية" يضع صيغة لطبيعة العمل الاقتصادي الفلسطيني، في أحرج الظروف، بطريقة لا يقبلها جلالة سلطان بروناي، من العاملين معه في البورصة، وحيثما لا معارك ولا تحديات ولا حصارات. والصيغة تلامس الحكمة الغريزية الحلمنتيشية، التي يرددها السارقون: "طبّاخ السم بيذوقه". لكن هذا الأمر، ليس هو مقصد هذه السطور. مقصدها يكمن في فقرة قالها رشيد نفسه، عندما أشهر التحدي بأن يدله أحد، على مثال استثماري فلسطيني، أرجع للمال العام مالاً معتبراً.
من هنا، يسكت القادرون على وضع البراهين بأن رشيد يكذب، فيتركون لعدلي صادق وموفق مطر وعبد الله عيسى وسواهم، مهمة التطوع بالرد. هكذا الحال بالنسبة لمن يعرفون أنه يكذب في سرد الوقائع السياسية، ويتجني على ياسر عرفات، وبخاصة عندما يجعل من نفسه، محور النقاش الفلسطيني حول المصير. وللعلم، إن هذه النقطة دون سواها، هي التي استثارتني، في الإعلان عن البرنامج الذي استضافه، وقبل بث الحلقة الأولى منه.
فعندما كتبت، لم يكن صدر الإعلان عن طلب رشيد للمثول أمام محاكمة الفساد، ولم أكن أعرف أن المسألة دخلت مرحلة كسر العظم، إذ لا يروق لمحسوبكم الدخول على خط السجالات بين أطراف لا نعرف كيف رفعت بعضها البعض الى عنان السماء والى موضع النجومية، مثلما لا نعرف كيف أطاحت ببعضها البعض الى الدرك الأسفل من التقييمات والتخرصات. فأخوكم هو الآخر، يصمت في مثل هذه المناسبات، وإن كان بلا بؤس كما يعتقد! الصامتون على رشيد، من حيث بمقدورهم الرد عليه، إما أنهم مسكونون بنقاط ضعف مختلفة أنواعها، ويخشون أن تفلت منه كلمة جوابية من على شاشة "العربية"، وهنا يكمن بؤس الصامتين، أو إنهم يرون المعركة مع رأس هرم السلطة دون غيره، ويحبذون التفرج عليها، لغايات وضغائن كامنة، غير مدركين أن من صالح الجميع، أن يُحاط أي فاسد بعناصر الإدانة! هذا الاحتمال، الثاني، يفسر الحال التي بتنا عليها، إذ يرجم الصحبُ واحداً من بينهم، فيظن سائرهم من السامعين والمتفرجين، أن العاقبة ستكون على المرجوم دون سواه!