الجامعة العربية وقيادة الدبلوماسية ضد نظام الأسد
مطالبة المجلس الوزاري العربي الأمم المتحدة بوضع سقف زمني لخطة انان الفاشلة، وتطبيق الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يتضمن في ما يتضمنه اللجوء للحل العسكري تحول مطلوب وربما متأخر. فالجرائم اليومية المتوحشة التي يرتكبها النظام وشبيحته والتي تمعن في تقتيل الشعب السوري قتلت ايضا اي امل في حلول سلمية. وبسبب ذلك فإن النظام الدموي في دمشق يُدخل سورية والشعب السوري (وربما لبنان والجوار العربي برمته) في نفق مظلم لا يعلم احد نهايته او كيفية الخروج منه. الشبق المرضي في التمسك بالكرسي الذي يظهره النظام بشكل مذهل يعني جلب المزيد من الدمار الشامل على الجميع. والشيء المُدهش بعد كل الحريق الذي اشعله النظام, وبعد كل الدم الذي اراقه, والقتل الذي نشره في ارجاء سوريا هو اعتقاده بإمكانية البقاء في الحكم وكأن شيئا لم يكن.
كيف يمكن لعاقل ان يتصور قبول الشعب السوري ببقاء النظام بعد كل جردة الحساب الاجتثاثي الذي راكمه حتى الآن, ولم ينته منه بعد؟ لكن, وكما هو مُدرك عموما, يعتاش النظام في هذه اللحظة السياسية على ما وفرته ظروف اقليمية ودولية غير عادية وربما شاذة من إنسداد في وجه اي تدخل يوقف الآلة القمعية الامنية الاسدية, واستراتيجيته القمعية والابادية تستهدف توسيع هذه اللحظة وإطالة فترتها الزمنية بهدف السيطرة على الامور والقضاء على الثورة. حتى الآن ينجح في زيادة القمع, لكن تتصاعد وتائر الثورة بنجاح ايضا ورغم كل ذلك القمع المتزايد.
في ظل الانسداد العام الذي ينكشف امامه عجز الامم المتحدة وكل الحلول السياسية التي تُطرح لا يبدو في الافق اي نشاط حقيقي سوى إراقة المزيد من الدم على يد حكام دمشق. في كل يوم تتفاقم المجازر التي ترتكبها مليشيات النظام بشكل يفوق الوصف, وكل مجزرة جديدة تتفوق على ما سبقها في الوحشية ومقدار الولوغ في الدم. تفاصيل ذبح الاطفال والناس الابرياء في الحولة تقشعر لها الابدان, وقصص الاغتصاب المتواترة، وتقطيع الاجساد, والتفنن في التعذيب والنحر، تشير إلى ان نظام دمشق تحول الى عصابة من المجرمين الذين اعلنوا استعدادهم لإبادة الاخضر واليابس في بلدهم، وقتل أي كان وبأي اعداد كانت مقابل البقاء في كرسي الحكم. الثورة السورية وبتضحيات شبابها وشاباتها وكل شرائح المجتمع المنخرطة فيها بطولية بكل ما في الكلمة من معنى, واستمرارها وعنفوانها المستمر ينتزع الاعجاب والتبجيل لأبعد الحدود.
يتوازى مع ذلك توتر النظام وانكفاؤه الفئوي وخساراته الدبلوماسية الخارجية وخشيته من النهاية المحتومة. رغم ذلك, رغم استمرار الثورة وهشاشة النظام, إلا ان تلك اللحظة السياسية اللئيمة بظروفها الدولية, وخاصة الحامل المركزي لها وهو الانحطاط الاخلاقي والسياسي الروسي الحامي للنظام والمدافع عنه, منحت النظام حظوظا فريدة للاستمرار في السلطة على اجساد الوف الشهداء، وللاستمرار في المجازر اكثر من عام حتى الآن. على ذلك مطلوب من الجامعة العربية الآن ان تعيد امساك زمام المبادرة وتقوم بتفعيل دورها من جديد وتسرع من الحراك السياسي الاقليمي والدولي, وتضغط الفترات الزمنية وجداول الوقت الموسع التي تُعطى للنظام في دمشق. وان تقوم بذلك تحت شعار ومبدأ حماية الشعب السوري الآن وقبل الغد، وتحت شعار ليس هناك اية شرعية لنظام يقوم بإبادة شعبه بشكل ممنهج ومن دون اي تردد. اي تدخل خارجي عسكري او غير عسكري, وخاصة إن كان خارج اطار الامم المتحدة, يجب ان تدعو إليه وتقوده الجامعة العربية عن قناعة وفاعلية وليس لتقديم غطاء اقليمي وعربي لقرار دولي. الجامعة العربية ممثلة للعرب في غالبيتهم, ما عدا حلفاء ايران, هم مع الشعب السوري قلبا وقالبا وينتظرون اللحظة التي يسقط فيها النظام الدموي.
لهذا فإن الجامعة العربية والعرب يجب ان يكونوا اقل انشغالا وقلقا من العالم والاعلام العالمي والاطراف الدولية المختلفة. بقاء الجامعة العربية في مقدمة قيادة الحراك السياسي والدبلوماسي والعسكري في كل ما خص الملف السوري مسالة في غاية الاهمية من ناحية سياسية راهنة ومستقبلية متعلقة بشكل النظام السياسي الذي سيخلف نظام الاسد. إن حماية الشعب السوري تستلزم التخلي عن السياسة السلحفائية التي يستفيد منها النظام ويواصل في ظلها إراقة دم الناس, ويصير من الواجب الانساني والاخلاقي تسريع اسقاط هذا النظام الفاشي وتغيره وتقليل الدمار الموازي لذلك السقوط المحتوم. الصورة العامة تبدو كما هي: عجز عربي واقليمي، دعم عربي وخليجي خجول للثورة والجيش الحر, دعم ايراني/عراقي عسكري وامني ومالي وقح وغير خجول للنظام الدموي, شلل اممي عن القيام بأي خطوة جدية من شأنها كبح توحش النظام, مبادرات امم متحدة ومراقبين لا معنى حقيقي لها سوى الادعاء بأن "جهدا ما يُبذل", تعنت روسي وعجرفة متصاعدة يريد بوتين من خلالهما اثبات نفسه امام العالم والغرب, إلتحاق صيني بالموقف الروسي, وجود متلكىء للجامعة العربية. اوسع من ذلك وبعيدا عن الملف السوري نفسه, ثمة ابعاد اخرى للصورة العامة تعزز من احتمالات استمرار الانسداد وعدم القدرة على الفعل الخارجي.
فمن اميركا المنشغلة بحملات الرئاسة الاميركية, الى اوروبا الغارقة في الازمة الاقتصادية وازمة انقاذ اليورو ونفسها, إلى تكبيل مجلس الامن بالفيتو الروسي والصيني. في ظل تفاصيل هذا المشهد الخارجي شبه المقفل, يستفرد النظام بالمشهد الداخلي ويضاعف من مستوى ودرجة ونطاق البطش ونوعيته وعمقه وطائفيته. يعلم سدنة النظام ان كل جريمة يرتكبونها تُسجل بالصوت والصورة, ومع ذلك يبدون غير مكترثين بكل ذلك بسبب شعورهم بقوة الاسناد الروسي وما يسببه من لجم لأي فعل او اجراء على مستوى اممي.
كيف الخروج اذن من المأزق, وكيف يمكن حماية الشعب السوري الاعزل من حمم الجحيم التي يدكهم بها النظام؟ يعزز كل ما سبق ضرورة قيام الجامعة العربية بالتقدم اكثر واكثر للإمساك بقوة بزمام المبادرة والقيادة في شأن الملف السوري. ولنا ان نتوقع انه في حال استمرار الانسداد القائم على حاله ووتيره اجرام النظام على حالها, والتي في الغالب سوف تتصاعد مع تصاعد احتمالات سقوطه, فلن يبقى امام المجتمع الدولي الا التحرك خارج طار مجلس الأمن, لتجاوز العقدة الروسية/الصينية.
ذلك ان الرأي العام العربي ولا العالمي لن يتحمل استمرار المجازر وبقاء الافق مفتوحا للنظام ليمارس ما يريد, وسوف يصبح من الضروري والانساني التدخل بشكل او بآخر. قد يأخذ هذا التدخل اقل الصيغ التدخلية مثل اقامة مناطق آمنة على الحدود مع تركيا او شمال لبنان مع حظر للطيران, وربما يصل الى صيغ اكثر صرامة مثل تبني قصف جوي يحدّ من حركة الكتائب العسكرية المؤيدة للنظام والتي تشكل عموده الفقري وذراعه الوحشية في قمع الثورة. لكن احدا لا يتحدث هنا عن تدخل عسكري بري, تكرارا لتجربة التدخل في ليبيا والتي اقتصرت على القصف الجوي. وقبل اللجوء الى اي شكل من اشكال التدخل المتوقع هذا، فإن المطلوب من المعارضة السورية والجامعة العربية أن تعمل على احتواء مضاعفاته السياسية اللاحقة خاصة في خضم الكم الهائل من الشعاراتية التي ترددها الجهات المؤيدة لنظام الاسد وادعاءاتها بالقومية واليسارية والوطنية.
سوف يتم تصوير اي تدخل عسكري لحماية الشعب السوري من النظام المنفلت من اية قيم انسانية او عربية او اسلامية على اساس انه تدخل امبريالي لخدمة اسرائيل. وسوف يتم تدوير هذه الاسطوانة الوف المرات وكأن نظام الاسد كان يخوض الحرب تلو الاخرى ضد اسرائيل، وكأننا جميعا لم نشهد "بطولات" الجيش الاسدي ضد السوريين العزل وهي تدوس الناس في الشوارع ولم نشهدها تدوس دفاعات اسرائيل في الجولان او غيرها من الارض العربية على مدار عقود اربعة مرت.