حكومة فياض و استبعاد فتح

ليس من المعروف كم يوما سيكون عمر حكومة فياض الجديدة بعد ان تم الاتفاق مع حماس على آليات تنفيذ لاتفاق الدوحه . مدة الحكومة و برنامجها و اعضائها و اداءها ليس هو الموضوع هنا، حيث من الطبيعي ان يكون هناك تغيير و تعديل حكومي، و من الطبيعي ايضا عندما يتم تشكيل حكومة جديدة ان يتم استبدال وزراء بأشخاص آخرين و تحريك وزراء من موقع الى آخر وفقا للضرورة و المؤهلات، و من الطبيعي ان يكون هناك من يعترض و من ينتقد و من هو سعيد و من هو حزين. لقد تم تشكيل حكومات في السابق ذات طابع سياسي و حزبي ، و حكومات ذات طابع مهني، و هناك حكومات مختلطه، وهي مزيج من الاعتبارات السياسية و الحزبية و المهنية و الجغرافية و الاقليمية و الدولية، و بالتالي من السهل ان يتم فهم الاعتبار الذي تم على اساسه اختيار هذا الشخص او ذاك. في نظرة سريعة على حكومة فياض الجديدة، هناك امور ليس لها اي تفسير منطقي في آلية اختيار الوزراء، ليس هناك تفسير لماذا هذا الوزير قد تم استبداله و ذاك الوزير قد بقي في مكانه او تم نقله من وزارة الى اخرى، ليس هناك تفسير لماذا فلان تم اختياره وزيرا و لم يتم اختيار شخص آخر بدل منه، هل هي الكفاءه التي يتمتع بها هذا الشخص؟، هل هو التاريخ الطويل من الانجزات التي حققها في العمل العام و بالتالي من المفيد ان يتم الاستفاده من خبراته؟ لا شك ان حكومة فياض الجديدة تمتلك من الكفاءات العلمية و الادارية ما يستحق الاحترام و التقدير، و لكن كيف يمكن فهم تعيين اشخاص كوزراء لم يسبق لهم ان قاموا باي عمل قيادي او سياسي او مهني، و الاكثر من ذلك لم يسمع بهم الناس من قبل، من الذي يختارهم و من هي هذه القيادة السرية التي تقود الشعب الفلسطيني و التي تأتي بأسماء و تصنع منهم وزراء و قيادات بعد ان تترك خلفها هذا الجيش من الكوادر و الكفاءات الوطنية، خاصة الفتحاويه منها؟ و لكي لا يكون الحديث عاما اود ان اضع امام القارئ بعض من الملاحظات:

اولا: مؤسسات حركة فتح الرسمية ، و هي اللجنة المركزية و مجلسها الثوري لم يتم استشارتهما في عملية تسمية الوزراء. هذا الامر ليس اختياري، حيث النظام الداخلي للحركة الذي تم اعتماده في المؤتمر السادس يؤكد على ان اللجنة المركزية لحركة فتح هي التي تنسب الوزراء و من ثم يتم عرضها على المجلس الثوري للمصادقة عليها وفق المعايير المتفق عليها. هذا الامر لم يحدث ، ربما لان اصحاب القرار لا يعتبرون ان هناك اي قيمه سواء كان للجنة المركزية او لمجلسها الثوري ، و بالتالي لا يستطيع احد ان يدعي ان هذه الحكومة هي خيار حركة فتح.

ثانيا: ليس من الصعب الفهم لماذا يتم التمسك بالدكتور سلام فياض كرئيس للوزراء، و لكن هل هناك تفسير لدى اي شخص لماذا يتم التمسك بالدكتور رياض المالكي وزيرا للخارجية؟ هل فتح على سبيل مثال خاوية من شخصية سياسية لديها الكفاءه و القدرة على اشغال هذا المنصب؟ هل لانه يتمتع بأمكانيات خارقة حارقة لا يمكن الاستغناء عنها؟ هل لانه معادله سياسية او اقليمية؟ هل هو مطلب دولي؟ ام خلفه فصيل جرار يجب اخذ وزنه وثقله بعين الاعتبار؟ لا تذهبوا بعيدا ايها السادة، الامر ابسط مما تتوقعون، فهو تنطبق عليه كل المواصفات المطلوبه في هذه المرحلة، مطيع جدا و لا يقول لا لأصحاب الشأن، هو ليس له تأثير يذكر في تعيين السفراء و نقلهم و عزلهم ، هو لا يتدخل في المفاوضات، بأختصار وجوده مريح جدا.

ثالثا: هل هناك احد يستطيع ان يعطي تفسيرا منطقيا يدخل العقل كيف يتم تعيين محمد ابو رمضان وزيرا للتخطيط؟ الرجل على الصعيد الشخصي محترم جدا، و هو لم يدعي انه كفاءه تخطيطية عالية، الرجل ليس له علاقة في السياسة و هو رجل اعمال في احسن الاحوال، و عندما طلب منه ان يكون وزيرا للتخطيط بكل تواضع قال ان ليس لديه تجربه او خبره في هذا المجال. لقد تم تعيينه ايها السادة فقط لانه من غزة التي تمثل اربعين بالمئة من الشعب الفلسطيني في شقي الوطن، و مطلوب تزيين الحكومة ببعض الاشخاص الذين لا يدعون بأن لهم ماضي و لا يطمحون في مستقبل و معافين تماما من اي علاقات مشبوهه مع الذي لا يسمى. غير مشاكس، يرضى بالقليل . اضافة لكل ذلك حظه السعيد ربما بما يربطه من علاقات مع من لديهم خاتم سليمان.

رابعا: لقد تم استبدال الدكتور سعدي الكرنز بالدكتور علي ابو زهري في وزارة المواصلات. من الناحية المنطقية هذا امر سليم، يكفي الدكتور سعدي ما عمله كوزير، لقد شبع من المسؤوليه، على الرغم انه كان وزيرا ناجحا في عمله. ما يؤلم انه لم يتم تغييره من منطلق القاعده التي تقول تغيير الوجوه رحمه، لو كان الامر كذلك لانطبق على لميس العلمي و المالكي و المجدلاني و آخرين. لقد تم تغييره فقط لان اصحاب الشأن غير قادرين على هضمه.

خامسا: هل هناك من هو حريص على فتح و في يده القرار يتنازل طوعا عن وزارة التربية و التعليم و التعليم العالي و الصحة و الشؤون الاجتماعية و غيرها من الوزارات الخدماتية و السيادية؟ لا اقول ان فتح يجب ان تأخذ كل شيئ في الضفة كما اخذت حماس كل شيئ في غزة، و لكن ما الذي يميز لميس العلمي عن غيرها من الالاف من كوادر فتح الاكاديمية و العلمية ليجعلها وزيرة للتربية و التعليم اكثر من خمس سنوات؟ الاستنتاج الذي يحق لكل انسان ان يستخلصه هو ان اصحاب القرار في الامر و النهي لا يعتبرون ان التعليم مهم و ان كوادر فتح في غالبيتهم عباره عن مجموعه من المفرغين و العبثيين و الفاسدين، منهم من تم فتح ملفات فساد له و منهم من ينتظر. الطريقة التي تدار بها الامور من تهميش لابناء فتح و مؤسساتها لم يعد يطاق.

المزاجيه التي تتحكم في اتخاذ القرارات و حالة الشخصنة التي تتحكم في سلوك اصحاب الشأن لم تعد محتمله. ابناء فتح ليسوا كالقطيع التي حتى لا تستطيع ان تقول ماع خوفا من فزاعة النائب العام الذي دائما تحت الطلب او فزاعة المنصب و الامتيازات او فزاعة التساوق مع الاحتلال و مع حماس. المطلوب تغيير جذري في النهج و السلوك، ليس فقط في آلية تعيين الناس للمناصب الرفيعة، بل في كيفية التعامل مع مؤسسات الحركة و احترامها، لانها هي التي تتوج الرؤساء و الزعماء و بدونها لما وصلوا الى ما وصلوا له، و ان المراهنه على سكوت الناس وخوفهم و كأنه معمول لهم عمل هي مراهنه مغلوطه.