المصريون أمام خيارين: تقبل النتائج أو المحنة

يضطرب المناخ السياسي المصري، في وقت كتابة هذه السطور، لأن صناديق الاقتراع تضع عموم المصريين، بين أحد خيارين، كلٌ منهما من شأنه أن يستحضر مجموعة متنوعة من الكوابيس، ليس بالنسبة لمن هم ضد خياري د. محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، وحسب، وإنما كذلك بالنسبة لجمهوري الرجلين ولأسباب مختلفة! إن بدأنا بجمهوري الطرفين، يمكن القول إن مؤيدي "الإخوان" يدركون منذ الآن، حجم المعارضة التي سيواجهونها ـ نأمل أن لا تترافق مع اضطرابات ـ ضد مفاعيل وتطبيقات "الجماعة" في بُنية الدولة أو تحسباً للانقلاب عليها، ضماناً لاستمرار الهيمنة بوسائل الدولة نفسها، في بلد يتسم بالتعددية الثقافية والدينية، ولا تلائمه إلا الدولة المدنية، بمنطق الواقع وليس بالقول أو بالتسمية.

ذلك فضلاً عن مآخذ قديمة جديدة، لدى ملايين المصريين، على مواقف ومسلك ومستوى "الإخوان" في الأداء البرلماني سابقاً منذ مجلس شعب 1976 وعندما كان لهم 88 نائباً، حتى اللحظة التي يتمتع فيها الإسلاميون بالأغلبية في المجلس الحالي. أما جمهور شفيق، فهو يعلم أن كوابيس فوزه في الإعادة، لا تقل عن كوابيس خسارته، لأن ملايين المصريين، ترى فيه امتداداً لنظام حسني مبارك ولسياقاته على كل صعيد، لا سيما وأن مؤسسات الدولة التي سيكون على رأسها في حال فوزه، ما تزال كما هي وستكون رهن إشارته. وبالتالي لن يهدأ الشارع المصري.

بل إن القوى الاحتجاجية، التي ظل قسم منها، الى ما قبل أيام، يتطرف اعتراضاً حتى على بقاء المجلس العسكري لفترة وجيزة؛ ستشعر بإحباط كبير، ربما يدفعها الى النـزول مجدداً الى الشارع في حال فوز شفيق. أما كوابيس الذين يصدمهم صعود مرسي وشفيق معاً، فإنهم لن يروا في الأول، إلا ممثلاً لجماعة "باعت الثورة" وتآمرت عليها وكفّرت كل من يخالفها، ولن يأتي معها استقرار ولا ديموقراطية ولا دولة مدنية.

ولن يلتفت هؤلاء الى أطروحة أن الرجل، في حال فوزه، سيكون رئيساً لكل المصريين، وأنه شخصياً، عبّر عن استنارة وعن نوايا طيبة، وأنه تعرض للسجن بل إنه في المرة الأخيرة، أدخل السجن، قبل أقل من أسبوعين من سقوط مبارك. كذلك فإن هذه الملايين، التي صدمتها النتيجة، لن ترى في شفيق، الضابط الطيار الذي شارك في حربي الاستنـزاف و73 ولم يتعرض لمساءلة قانونية، عن أية جريمة اقتصادية أو سياسية مؤكدة، باتت متاحة بعد سقوط مبارك، إذ يمكن إقامة الدعوة عليه في وجود مسوّغاتها. إنها سترى فيه، صديق مبارك الذي عمل تحت قيادته منذ أن كان في سلاح الطيران، والذي يجاهر بأن الرئيس السابق هو مثله الأعلى، فضلاً عن أن الرجل متهم بتدبير ما يسمى بـ "موقعة الجمل" في ميدان التحرير! إن اللحظة المصرية الراهنة، مشحونة بالتوتر الذي انتجته صناديق الاقتراع. وكان من شأن وصول حمدين صباحي، الى المركز الثاني، أن لا يُنتج توتراً، ولكن لم يكن بالإمكان أبدع مما كان.

وباعتبار أن الديموقراطية ليست عملية انتخابية نزيهة وحسب، وإنما هي مجرد علامة افتتاحية فارقة، للممارسة الديموقراطية؛ فإن الثغرة المرعبة هنا، تكمن في ضعف الثقافة الديموقراطية وتقاليدها التي يقف في مقدمها، عنصر التقبل الحقيقي للآخر، بصرف النظر عن وجهة النظر فيه، وإبداء التسامح حيال الجمهور المؤيد للرأي الآخر. في الحياة الديموقراطية، تكون هناك ضمانات لحرية الاعتراض، وحين تقّيد الدولة التي يحكمها حزب أيديولوجي، حقوق الناس في الاعتراض السلمي على سياساته، يكون الاضطراب.

فلقد ميّز مفكرو النظرية السياسية، الديموقراطيات الغربية، عن ديموقراطيات العالم الثالث، التي تقتصر على انتخابات نزيهة وبرلمان، دون أن يكون المجتمع نفسه، متشبعاً بثقافة التقبل للآخر والتسامح معه، دونما عصبيات ولا نعرات! إن مصر المحروسة، تدخل مرحلة عصيبة، سيكون المَخْرَج الأسلم منها، أن يتقبل الجميع النتائج مهما كانت، وسيكون المواطن المصري، أمام خيارين، وله بالطبع حرية الاختيار. والحق مكفول لأي مرشح، وفق القواعد الديموقراطية، بأن يخوض تجربته بتفويض من أغلبية الشعب، وما دون ذلك ليس إلا المحنة التي لا تُحمد عُقباها!