الرقص وليل مجدو

لست من محرمي الغناء والرقص وانا من متابعي الدوري الاسباني ودوري ابطال اوروبا ...وساكون كاذبا ان قلت لاحد بان هموم القضية تطاردني اكثر من همومي الشخصية ...لكني اليوم ولدقائق معدودة اثناء زيارتي لخيمة الاسرى في ميدان الشهيد ياسر عرفات فاضت مشاعري وكاد دمعي يغالبني حين سمعت امهات الاسرى الفلسطينيين الذين يخوضون معركة مصيرية مع جلاديهم يبثثن شكواهن من غياب التعاطف الشعبي مع ابنائهن وكذلك الرسمي ...ساعتها عدت ثلاثة عشر عاما الى الوراء وتذكرت حادثة احب ان ارويها دائما كلما جاء ذكر اسرانا ...في العام 1999 وتحديدا في شهر اب كنا في قسم خمسة في معتقل مجدو وفي الساعه السابعه تماما ...

هذا الموعد مقدس كان لدى الاسرى لانهم يتواصلون مع الخارج من خلال شاشة التلفاز ...يومها كانت مدينة رام الله تشهد مهرجانا فنيا يشارك فيه عدد من الفنانين العرب ...اثناء متابعتنا لنشرة اخبار الساعه السابعه في التلفزيون الاسرائيلي القناة الاولى ...بث تقرير لاحد مراسلي القناة – ولم يكن المراسل بريئا – حول المهرجان وكانت الصور لشبان يرقصون طربا على انغام الفنانه احلام والفنان حكيم ...لوهلة لم ينبس اي من الاسرى ببنت شفه جميعهم غادروا في اثر انتهاء النشرة كل الى برشه (السرير ) وعلامة سؤال كبيره اعتلت افواههم ...هل حقا نحن منسيون هنا خلف القضبان والوطن الذي منحناه سني عمرنا لم يعد يذكرنا الا في مواسم محدده ...الكثيرون حين يقراون هذه الكلمات سيقولون بانها مبالغه ...

لكن من يقبع في زنزانته بين جدران سوداء ...ولايرى السماء الا من خلال اسلاك شائكه ...ولا يرى النجوم الا اذا قطعت الكهرباء صدفة ...يفكر بطريقة مختلفه عمن يستنشق الهواء عذبا في الصباح ...ويتنقل دون سلاسل وقيود في قدميه ومعصميه ...فهذا الذي فقد الحرية لهدف اسمى يظن دوما بان الدنيا منشغلة به لابغيره ...وهنا لا اقول بان علينا ان نوقف الحياة وان نركن الى البكاء والعويل ...ولا ان نغلق محالنا التجارية وان لا نبتاع او نبيع ...ولا ان نعود الى زمن الانتفاضه الاولى في مدارسنا حين كنا نظن بان التعلم والتعليم يتعارض مع النضال ...

لكن من حق هؤلاء ان نمنحهم دقائق معدودة وان نشكل لهم ولذويهم شبكة امان ...ان نشعرهم بانهم ليسوا وحيدين في معركتهم وبان سكرات الموت التي يعيشونها في اليوم الف مرة ...تقابلها شموع تضاء في ميادين الوطن باسمائهم ...من الضروري ان يروا بان ابنائنا يذكرونهم كما يذكرهم ابنائهم ...بان امهاتهم هن امهاتنا ...لن يكلفنا هذا الفعل كثيرا ...لن يكلفنا سوى دقائق من وقتنا المهدور فيما لا ينفع ولا يشفع لنا عند هؤلاء ....كم مرة قلنا بان الاسرى اشرف منا جميعا ..

اليوم هؤلاء الشرفاء يحتاجون منا دقائق معدوده نزور خلالها خيام الاعتصام ...هؤلاء الشرفاء يحملون اثقالا كان من المفترض ان توزع علينا ...فليتحمل كل منا نصيبه من الحمل باقل التكاليف .