بشرى جديدة: الأتفاق على تفعيل الاتفاق
نأمل أن تكون صحيحة هذه المره، البشرى التي يزفها أخونا عزام الأحمد، عن مصالحة ناجزة، على الرغم من التصريح المتشائم، الذي أدلى به منذ يومين اثنين، وقال إن الجماعة لا يريدون المصالحة. لكن ما قاله عزام، عن "توقيع اتفاق" بالموافقة على تنفيذ اتفاق سابق، يقضي بتفعيل اتفاق أسبق؛ يأتي ونحن على أبواب الانتخابات الرئاسية المصرية، بحيث تكون جلسة الحوار أو التباحث الأولى، للاتفاق على بروتوكول تنفيذ الاتفاق الذي ينص على تفعيل اتفاق أسبق، سيكون موعدها بعد أن تتضح بعض الرؤية، لنتائج الانتخابات في مصر. وفي حال أن تكون "حماس" جادة فيما ذكره عزام الأحمد، فإن عملية التنفيذ ستكون مفتوحة على عدة احتمالات، فإن كانت الرئاسة من نصيب مرشح "الإخوان" ستختلف تطلبات التشكيل وشروط التنفيذ عما ستكون عليه، لو كان الفائز عمرو موسى مثلاً. هذا على احتمال أن تكون "حماس" جادة، وبرهان الجدية هو فتح المجال لعمل لجنة الانتخابات في غزة، لتقصير الفترة الانتقالية، ولكي لا تكون حكومة المستقلين شكلاً والمحسوبين على الطرفين في المضمون، مديدة ومفتوحة! ومع الإقرار بأن لـ "حماس" الحق في أن تحسب حسبتها لوحدها في هذه الجزئية، لكي تعرف سقفها المصري؛ نأمل من جماعتنا، أن يضعوا مسبقاً، سيناريو للحديث مع الإخوة المصريين يصلح لأيٍ من الافتراضات: أن ينجح عمرو موسى، أم ينجح مرشح "الإخوان" أو سواه، ممن يتشابهون مع د. محمد مرسي في حيثيات الانحياز للحلقة الفلسطينية من "الإخوان".
فإن نجح موسى، نتشارك مع "حماس" في صياغة ورقة، تتضمن رؤيتنا لما نتمناه من مصر، في عهدها الجديد: إحالة سلبيات السياسة والإجراءات الإدارية المصرية، الى الماضي البائد، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، لكي تتعزز ورقته السياسية في الإقليم وفي العالم، واعتماد المشروع الوطني الواقعي، باعتباره توطئة تاريخية لسياق مضاد، للسياق الذي قطعته الحركة الصهيونية على امتداد نحو خمسة عقود (منذ المؤتمر الصهيوني الأول، حتى تأسيس دولة إسرائيل).
ومساعدتنا على تبني برنامج عمل وطني واحد، يحتمل تعارض الاجتهادات التفصيلية ويحافظ على وحدة الهدف والالتزام، وذلك كله، بعد إتمام المصالحة وإعادة الوحدة للكيانية الفلسطينية، على أسس دستورية وقانونية وديموقراطية. الشىء نفسه، يمكن أن نطرحه على الفائز بالانتخابات الرئاسية، إن كان واحداً ممن اعتمدوا خطاباً نبيلاً ـ من حيث المبدأ ـ في عنفوانه وفي مقاصده، بحيث نبدأ بحوار موضوعي، بيننا وبين الفائز، سواء كان عبد المنعم أبو الفتوح، أو حمدين صباحي. فإن كانوا جادين في تبني "برنامج مقاومة" فلسطيني، فليكن الحديث على هذا الأساس، على أن يذهب الى حال سبيله، كل من يرفض هكذا "برنامج" ستصبح فيه مصر، مركزاً وممراً للأمة، لتحقيق الأهداف الإسلامية والقومية. ولكن السؤال المركزي سيكون عندئذٍ: كيف، وبخاصة في ظروف مصر الراهنة، وبظروفها على الأمدين القريب والمتوسط؟ وليس في وسعنا أن نتوقع من أي رئيس للجمهورية، أن يغامر بباقي عافية بلاده، لا سيما وهي تعاني من مديونية عالية، ولم يتبق إلا النذر اليسير من احتياطيها النقدي، وتعاني من اضطراب سياسي وهوامش اجتماعية بائسة، ومن الفقر المتفشي ومن بؤس الخدمات. لذا فلن تكون هناك إجابة عن السؤال: كيف؟ ويتعين علينا، أن نحمل معاً كـ "فتح" و"حماس" ورقة الرؤية التي أعدت للحديث مع عمرو موسى الى أي فائز سواه، لأن ما بقي من عافية مصر، هو دورها الذي لن يتضاءل!
* * *
لم يكن ذهاب منظمة التحرير الفلسطينية الى عملية التسوية ترفاً أو تفريطاً، مثلما هو ليس ترفاً ولا تفريطاً، منع "حماس" للمقاومة انطلاقاً من غزة.
إن مثل هذه المواقف مسبوقة في سياقات تاريخ الأمم، وهي خيارات في مراحل معينة، تختل فيها موازين القوى بمعدلات مرعبة. بل إن العدو القوي، في هكذا سياقات، يتمنى من عدوه الضعيف، أن يعتمد خيار الحرب، لكي يصفي وجوده الاجتماعي، ويشتت شمله، ويبدد كل قواه. وهنا، تنشأ أهمية السياسة بمعناها العلمي والوطني، بهدف الحفاظ على الذات، لأن هذه الذات هي المادة الخام، التي تتشكل من واقعها الصحي، الخيارات الأخرى في ظروف مواتية! المحتلون ليسوا مستعدين للذهاب معنا حتى الى تسوية بائسة قياساً على الحد الأدنى من حقوقنا. وما تفعله السياسة، في واقعنا الراهن المفتت، ليس أكثر من الحد الأدنى الضئيل للغاية، من معاندة التغوّل الإسرائيلي، وبوسيلة وحيدة لا نمتلك سواها، وهي كوننا ما زلنا طرفاً في عملية سلمية معطلة. ليس هناك أي طرف في فلسطين، ولا في الإقليم، لديه بدائل، على الأقل في أفق العشرين سنة المقبلة.
إن أعز وأثمن شىء نفعله، هو الوحدة التي تُبنى عليها أعمدة القوة الفلسطينية، للمجتمع وللسياسة، وللتحقق الوطني. إن المقاومات والحروب التحريرية، لا تنبثق عن كيانات ضعيفة وممزقة ولا عن مجتمعات مخنوقة. فلنذهب الى وحدة الكيانية الفلسطينية، حتى ولو تشبهنا بوحدة وصلابة الحركة الأسيرة في سجونها، حيثما يكون بناء الإنسان وتعظيم الإرادة وتثقيف الكادر الذي تنبثق عنه الطبقة السياسية. ففي السجون استطاع الإنسان المكبل، بإرادته، أن يفعل ما لا يقوى عليه الطلقاء، وهو الصيام المديد، لأسابيع وشهور! إن سقف توقعاتنا مما تستطيع مصر أن تُعيننا فيه، بصرف النظر عن برامجنا وعن المرشح الفائز؛ لا يعلو عن مستوى المساعدة على استعادة وحدة الكيانية الفلسطينية والوصول بالمجتمع الفلسطيني وقواه المناضلة، الى حال الاقتدار! موضوع المصالحة، بات ذا طابع وجودي وإنقاذي بالنسبة لحركة "حماس" ولحكمها في قطاع غزة.
ولا نريد في هذا المقام التصالحي، أن نشرح كيف أن اسطوانة الغاز، التي يمثلها قطاع غزة قد أوشكت على الانفجار. فـ "حماس" تعرف الى أي مستوى ارتفع غضب الناس، وتعرف ماذا حدث خلال الأيام القليلة الماضية، وتعرف أنها حشدت قوة كبيرة شرطية لكي تنجح بالكاد، في محاصرة شجار بين عائلتين اثنتين في رفح، وأنها تتوقع العجز البليغ، حين ينفجر غضب مجاميع الناس، وتعرف أن ضرب رجل في الخامسة والستين، وشج رأسه أمام المواطنين، قبل ثلاثة أيام، بسبب غالون سولار، هو أنموذج لممارسة مشهودة تسببت مثيلاتها في مفاقمة احتقان المجتمع. نحن هنا نركز على المسألة الموصولة بموضوع ووجهة العلاقة مع مصر، وبالتالي كانت الموافقة على التنفيذ مرتبطة بالوضع المصري، ونأمل أن يكون ما ذكره أخونا عزام الأحمد صحيحاً.