الاتحاد الأوروبي.. سياسة مزدوجة!!

في زحمة التطورات التي شهدتها الساحة الفلسطينية في الأيام الأخيرة، حراك الأسرى ونتائجه، التشكيل الحكومي المعدل، الانتخابات الداخلية لحركة حماس، توسيع حكومة نتنياهو وآثاره على الوضع الفلسطيني، ذلك كله وأكثر، ربما كان سبباً لتجاهل ما صدر عن الاتحاد الأوروبي من بيان أثناء اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في العاصمة البلجيكية بروكسل في الرابع عشر من الشهر الجاري حول ملف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وربما يعود هذا التجاهل إلى عدم الرهان على موقف أوروبي جديد يتخلى عن المواقف المعروفة إلى الضغط لتنفيذ هذه المواقف، ذلك أن بيانات الاتحاد الأوروبي، المتكررة والمتتابعة لم تحمل أي جديد في العادة، رغم أن رهانات عديدة، كانت قد صدرت من قبل عدد من المحللين السياسيين، في أن الاتحاد الأوروبي، قد يستثمر غياب الدور الأميركي في المنطقة، حيث أن هذا الدور، سيصبح مثل البطة العرجاء في عام الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية، للتعويض عن هذا الغياب، بالإقدام على خطوات جدية وحساسة من شأنها الضغط باتجاه استئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلاّ أن هذا لم يحدث، وظلت بيانات الاتحاد الأوروبي منسجمة مع تكرارها المتتابع من دون أي تعديل يذكر، حتى من الناحية الصياغية البحتة.

وإذ يعتبر الاتحاد الأوروبي، أكبر جهات الدعم المادي ـ المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية، فإن بياناته تعكس اهتماماً متزايداً بالملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، واتخذ مواقف جيدة وإيجابية بشأن العديد من القضايا المرتبطة بهذا الملف، غير أن هذه المواقف ظلت عند حدود الصياغات والتركيبات اللغوية، ومع توفر حوافز جيدة كي يخرج الاتحاد عن هذا الموقف، إلاّ أنه لم يتخذ منها وسيلة لكي يشكل رافعة يمكن معها استئناف العملية التفاوضية وفقاً للمرجعية الدولية، خاصة "خارطة الطريق"، والمبادرة العربية، ومن بين هذه الحوافز، ما تسرب عن تقرير داخلي رفعه رؤساء الممثليات الأوروبية في القدس ورام الله قبل بضعة أشهر، حول مدينة القدس المحتلة، وجاء في هذا التقرير وفقاً للتسريبات، إنه دون القدس كعاصمة مستقبلية للدولتين، فلن يكون بالإمكان التوصل إلى سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وان السياسة الإسرائيلية في القدس المحتلة تقوّض إمكانية حل الدولتين وتعمل على ضم القدس الشرقية إليها، خاصة أن إسرائيل أخذت مؤخراً تزيد من جهودها لتشجيع هجرة المقدسيين المسيحيين إلى خارج المدينة والبلاد، وان كل أشكال هذه السياسة إنما يتناقض مع التزاماتها المعلنة بالسلام الدائم مع الفلسطينيين من خلال حل الدولتين.

هذا التقرير، هو ذاته تقريباً، التقرير الدوري الذي يرفعه مع نهاية كل عام، ممثلو الدول الأوروبية في كل من القدس المحتلة ورام الله إلى دولهم وإلى الاتحاد الأوروبي، هذه المرة تمت الإشارة إلى تزايد الجهد الإسرائيلي بترحيل الفلسطينيين المسيحيين عن القدس، ذلك أن العام 2011 شهد جهداً إضافياً ملموساً بهذا الاتجاه، عدا ذلك، فإن التقرير لم يحمل أي جديد، وكذلك، فإن رد الفعل من قبل الاتحاد الأوروبي لم يحمل أي جديد، في بيانه الأخير الصادر يوم الاثنين الماضي في بروكسل، سوى أنه كان أكثر شمولاً ومتناولاً العديد من القضايا التي من شأنها أن تؤثر على إمكانية استئناف العملية التفاوضية، خاصة بعد توسيع حكومة نتنياهو وضم كاديما إلى الحكومة، وبحيث أصبحت هذه الحكومة مسنودة بـ 94 صوتاً في الكنيست، ما يجعلها أكثر استقراراً، والأهم، يجعلها أكثر قدرة ـ لو أرادت ـ على المضي قدماً في استئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، من دون أن تخشى من تهديدات بعض الأحزاب اليمينية المتدينة وحزب إسرائيل بيتنا بقيادة ليبرمان.

ومع أن الرسائل المتبادلة بين فلسطين وإسرائيل مؤخراً، لم تأت بجديد من حيث تمسك الطرفين بمواقفهما المعروفة والمحددة، فإن البيان المذكور، رحب بهذا التبادل للرسائل باعتبار أن ذلك يشجع، حسب البيان على السير لمواصلة الطريق نحو استئناف العملية التفاوضية بهدف التوصل إلى حل الدولتين، وكأنما البيان يريد أن يجد شيئاً إيجابياً في التطورات الأخيرة، يمكن معها الحديث مجدداً عن استئناف العملية التفاوضية، ويلاحظ في هذا السياق، أن من ضمن هذه التطورات المتعلقة بهذا الملف ازدياد وتواصل العملية الاستيطانية والتي تشكل كابحاً أساسياً أمام استئناف المفاوضات، هذه العملية التي اعتبرها البيان، مثل البيانات السابقة للاتحاد، تدميراً لحل الدولتين.

ويمكن تفهم عجز الاتحاد الأوروبي عن لعب دور مؤثر وإيجابي لجهة دعم استئناف العملية التفاوضية بهدف تحقيق حل الدولتين، باعتبار أن مواقف الدول الأعضاء، غير موحدة بشكل يؤدي إلى اتخاذ خطوات ملموسة بهذا الاتجاه، لكن لا يمكن تفهم تلك الازدواجية التي مارسها الاتحاد الأوروبي مؤخراً، وتحديداً قبل أيام قليلة، فبعد أن أصدر بيانه المشار إليه بساعات، قام البرلمان الأوروبي بدعوة رئيس مجلس شومرون الاستيطاني "غيرشون ميسيكا" لحضور إحدى جلساته الرسمية، ما يشكل سابقة بالغة الخطورة، لا تكشف فقط عن ازدواجية المواقف لدى البرلمان الأوروبي، بل وأيضاً تشجيعاً للعملية الاستيطانية التي يعتبر ميسكيا أحد قادتها، والغريب أن برلمانيي أوروبا استمعوا له وهو يردد شعاراته الاستيطانية، ودعوته أوروبا إلى وقف جهودها التي لا نفع أو مستقبل لها، لقيام دولة فلسطينية، وأكثر من ذلك، فإن ميسيكا دعا الاتحاد الأوروبي إلى وقف دعمه للأحزاب اليسارية الإسرائيلية باعتبار أن هذه الأحزاب تقوّض شرعية إسرائيل"!!ورغم أن السلطة الوطنية الفلسطينية، قد أدانت هذه الدعوة، وطالبت البرلمان الأوروبي بتفسير إقدامه على هذه الخطوة الخطيرة، فإنه ـ وحسب علمنا ـ لم تتلق إلى الآن أي تفسير.

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يعرف حدوده عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فهذه الأخيرة، سبق وأعلنت وأبلغت، أن لا دور سياسياً للاتحاد الأوروبي في العملية التفاوضية إلاّ من خلف الدور الإسرائيلي، وقد ارتضى الاتحاد الأوروبي هذا الدور الذي حددته له إسرائيل من دون أن يبذل أي جهد على الصعد المختلفة، الاقتصادي والسياسي تحديداً، لتجاوز هذه الرؤية الإسرائيلية لدوره، خاصة وأن المنظومة العربية، لم تساعده على تجاوز هذا الدور، نظراً لانقسامها، وعدم جديتها وفشلها في استثمار مقدراتها المالية والسياسية لدعم التوجهات العربية خاصة فيما يتعلق بقضية العرب الأولى ـ حسبما يرددون ـ وبالتالي فإن المنظومات الدولية، كالاتحاد الأوروبي يحسب حساباً للقوى المؤثرة، كإسرائيل، من دون أن يحسب حساباً للمنظومات الهشّة، كالمنظومة العربية!!.