المحتلون ذاهبون الى الحرب

فاجأ نتنياهو الطبقة السياسية الإسرائيلية وجمهورها، بخطوته، بعد أن جرّ انتباه الجميع، الى وجهة الانتخابات المبكرة والعاجلة، لتعزيز موقفه، ثم عاد لكي يستثمر نجاحه في إضعاف حزب "كاديما" توطئة للإجهاز عليه، وتوافق مع موفاز على حكومة جديدة، بحيث توضع الانتخابات جانباً، حتى موعد تشرين الأول (أكتوبر) 2013. ومع اعتبار أن الرجلين اللذين توافقا، موصوفان بالانتهازية؛ فقد قايض كل منهما شيئاً بشىء: نتنياهو يُطيل أمد تزعمه للحكومة بقاعدة برلمانية عريضة، أي في وضعية لم تتوافر إلا لقليلين سواه، في تاريخ إسرائيل (94 نائباً) وهذا من شأنه المساعدة على تحقيق مبتغاه على نحو أفضل من الذهاب الى انتخابات عاجلة، وموفاز يستثمر عدد المقاعد الحالية لحزبه، لكي يلعب دوراً مركزياً، لعله ـ بالاندماج مع الليكود في حكومة ـ يُحسّن فرص "كاديما" في انتخابات العام المقبل، ويتحاشى الانهيار التام للحزب مثلما يتوقع المراقبون!

واضح أن الموضوع الإيراني، هو نقطة الالتقاء الأبرز، بين نتنياهو وموفاز. لكن ما أقدم عليه الاثنان، يُعد نوعاً من التجريب الذي يحتمل الفشل. فإما أن تحقق حكومة التوافق أهدافها فيبلغ نتنياهو ذروة طموحاته، وإما أن يتعثر المسعى ويتردى الأداء، فينزلق الإثنان الى الحضيض. لكن زعيما الحزبين، تنبها الى ضرورة التغلب على بعض مظاهر الخلل في أداء الحكومة، وعقدا العزم على تلافيها. فقد كان نتنياهو يكظم غيظه من معاندة الأحزاب الصغيرة الحريدية، الأكثر تطرفاً وذات البُعد الواحد، التي شلّت قدرته على معالجة الكثير من الملفات الداخلية، من خلال تلويحها بالفيتو على أي قرار لا يلائمها. لذا فهو يتوخى الآن الخروج من وضعية الحكومة التي تشمل وزراء يكرسون الشخصانية ويتعاملون مع وزاراتهم على أساس أنها إقطاعيات خاصة لهم، وليس على أساس أنهم أعضاء في حكومة، وبالتالي يتسببون فيما يسميه المعلقون "اختلالات وظيفية". وبدا أن نتنياهو اتفق مع موفاز على إجبار أي وزير يوجه انتقادات لحكومة الحزبين، على الاستقالة فوراً. وفي إطار ما اتفقا عليه، هناك مسألة الشروع في عملية إصلاح طال انتظارها، للنظام الانتخابي، على النحو الذي يؤدي الى استقرار الحكومة، وإضعاف قوة المجموعات الصغيرة المغردة خارج السرب، وهي التي مارست طويلاً حق الاعتراض والتعطيل.

الحزبان اللذان توافقا أمس، يُعتبران في التصنيف المعتمد للخارطة الحزبية؛ وسطيّان. لكنهما على الرغم منذ ذلك، يريان التوافق على الحكومة، بداية لعهد جديد من التعاطي مع اتفاقات "أوسلو" التي رفضها اليمين الذي يمثلانه، عندما أبرمت، بينما كان هذا اليمن في المعارضة. لكن هذا اليمين، عندما بات في الحكم، تماشى معها لفظياً، وانقلب عليها بالممارسة العملية. ويبدو أن نتنياهو وموفاز، اتفقا على مراجعة وحسم مجمل الجوانب المتصلة بعلاقة المتدينين مع الدولة. وهذا ملف لم يجرؤ أحد على فتحه أو معالجته. ويُقال إن الحزبين، اتفقا على فرض الخدمة العامة في الجيش أو في جوار الجيش، على جميع مواطني الدولة، بمن فيهم "الحريديم" أصحاب شعار "التوراة خدمتنا" والفلسطينيون العرب من السكان.

دولة الغطرسة والاحتلال، ذاهبة الى مغامرات حربية والى غزو جديد، والى التعمق في الانقلاب النهائي على العملية السلمية، الأمر الذي يتوجب علينا حياله، أن نخرج من قواقع صغائرنا، وتعزيز الوحدة، لكي نمتلك ورقة سياسية قوية، نحشد فيها الى جانبنا، على الطرف الآخر من المواجهة، كل رافضي هذا النهج العنصري. فالمحتلون العنصريون، ذاهبون الى الحرب!