اسرائيل: حكومة وحدة وطنية.. انتقام وإنقاذ!!
كانت ضربة موجعة ومفاجئة، تلك الإهانة التي تلقاها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود، ليس من أحد، ولكن من أعضاء وقيادات حزبه، كان نتنياهو منتشياً وهو يقود قيادة الحزب في الاجتماع المتعلق بالتصويت على انتخابات مبكرة تعقد في الرابع من أيلول القادم، كان كل شيء على ما يرام، فقد جمع توافقات الأحزاب الأخرى على هذا الأمر، في هذا الاجتماع، الذي أقر موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة، حيث سيطرح على الكنيست يوم الاثنين أو الثلاثاء على أبعد تقدير، طرح نتنياهو نفسه، بلا تردد أو شعور بضرورة بحث الأمر، أن يكون رئيساً لمؤتمر الحزب، وكان نتنياهو يعتقد أن الموافقة بالاجماع على ذلك أمر عادي وأوتوماتيكي، لكنه فوجئ أولاً بهتافات ضده، وبوقوف عدة قيادات ليكودية ضد ترشيحه لهذه الرئاسة، الأمر الذي فاجأ نتنياهو واضطر للتراجع مؤقتاً، وتأجيل ترشيحه رئيساً للمؤتمر للأشهر الأربعة القادمة.
نعتقد أن لهذه الصفعة التي تلقاها نتنياهو من قيادات في حزبه، خاصة موشيه فايغلين رئيس "القيادة اليهودية" في اطار الحزب والمسنودة بأكثر من تسعة آلاف عضو من المستوطنين أعضاء الليكود، والذين لا يصوتون له في أي انتخابات داخلية، والتي أخذت تسيطر وتتآلف داخل الليكود في مواجهة نتنياهو، هذه الصفعة، ربما حسمت أمر التفاهمات السرية التي كان يجريها مع زعيم المعارضة شاؤول موفاز من أجل إلغاء الانتخابات المبكرة لصالح تشكيل حكومة وحدة وطنية بانضمام كاديما إليها. طوال يوم الاثنين، جرت جهود من أجل عدم اجتماع الكنيست للتصديق على مشروع قرار الانتخابات المبكرة، إلاّ أن ذلك تم بالقراءة الأولى، حيث كان من المنتظر أن تجتمع الكنيست في اليوم الثاني، لاعتماد القرار بالقراءة الثانية بشكل نهائي، غير أن اسرائيل كلها، فوجئت بالاتفاق بين نتنياهو وموفاز الساعة الثانية والنصف من بعد منتصف ليل الاثنين، الأمر الذي أحبط مشروع قرار الانتخابات المبكرة.
رئاسة مؤتمر الليكود، التي كان ينشدها نتنياهو، تتيح له إعداد وترتيب قائمة الحزب الانتخابية، وإذا فقد نتنياهو هذا الدور، فإن هذه القائمة قد تتشكل في غالبيتها من المناوئين له، خاصة الجماعات الاستيطانية التي كان قد فتح لها المجال للعب دور أساسي في الحزب ظناً منه، أنها ستكون الى جانبه، إلاّ أن هذه الجماعات، والتي تعتبر الأكثر تشدداً وتطرفاً في حزب الليكود، اعتبرت نتنياهو "حمائمياً" في المسألة الاستيطانية رغم كل ما فعله ولا يزال لصالح الاستيطان في القدس والضفة المحتلة. وصول قيادات من هذه الجماعات وبأعداد مهمة إلى الكنيست، ثم إلى الحكومة، سيكون من شأنه تهديد بقاء نتنياهو على رأس حزب الليكود ورئاسة الحكومة، أو على الأقل ستتشكل معارضة من داخل الحزب في مواجهة مواقف ومشاريع القوانين التي يطرحها رئيس الحكومة نتنياهو!!
لم يكن موقع نتنياهو مهدداً كرئيس لحزب كاديما ورئيس للحكومة، لكنه الآن ضمن فترة رئاسة لأربع سنوات ونصف، بدلاً من أربع سنوات في حال الانتخابات المبكرة، وفي الاتفاق الذي جرى التوقيع عليه مع زعيم المعارضة موفاز، لم يتخل عن مبادئه المعلنة، بل إن الاتفاق أكد من جديد أن برنامجي الحزبين إزاء القضايا الأساسية يلتقيان أكثر مما يختلفان عليه، رغم أن كاديما يدعي أن حزبه حزب يساري(!)
إلاّ أن الفائز الأكبر من هذا الاتفاق، هو موفاز شخصياً، وحزبه ثانياً، فأسابيع قليلة فقط تفصل بين نجاحه في رئاسة الحزب على أنقاض زعيمته السابقة تسيبي ليفني، ودخوله نائباً لرئيس الحكومة، وعضواً في كل لجان الكنيست، وإقرار أساسيات ومطالب الحزب حول تغيير طريقة الحكم وإلغاء وتعديل قانون طال واستئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي. أما بالنسبة لحزبه، فهو سيتمكن من قيادة لجان أساسية في البرلمان، أهمها رئاسة لجنة الخارجية والأمن ولجنة الاقتصاد، غير أن أحداً من أعضاء حزبه لن يشارك في الحكومة، على الأقل في الوقت الحاضر.
عدا ذلك، فإن استطلاعات الرأي تكاد تجمع على أن حزب كاديما، سيفقد ثلثي مقاعده في الكنيست في الانتخابات المبكرة، ودخوله إلى الحكومة، وإن كان بهذا الشكل المحدود، فعدا عن أن ذلك يؤجل هذه الكارثة، فإن الوقت المتاح حتى الانتخابات القادمة بعد عام ونصف العام قد تمكنه من إعادة ترميم أوضاعه الداخلية، والواقع أن هذا الاتفاق شكل عامل إنقاذ لحزب كاديما.
الفائز الأكبر من جراء الاتفاق على توسيع الحكومة بإضافة كاديما إليها وإلغاء الانتخابات المبكرة، هو وبلا منازع ايهود باراك، الذي فشل في إقناع الليكود بالنزول مع قائمته في حال جرت الانتخابات المبكرة، كونه يعلم، كما يعلم الجميع، أن حزب الاستقلال الذي يقوده، لن يستطيع تجاوز نسبة الحسم في أية انتخابات قادمة، وهذا يعني أنه سيختفي تماماً من الحياة السياسية، إلاّ أن عاماً ونصف العام كوزير للدفاع، هي "هبة" لم يكن يتوقعها، وربما تسمح له بترميم مكانته المتهاوية، إلاّ أن استمراره كوزير للدفاع، سيزيد من فرص قيام إسرائيل بضرب إيران، كونه أكثر الداعين إلى ذلك، إضافة إلى أن اشتعال حرب مع إيران، أو أي طرف آخر، سيطيل من عمر الحكومة القائمة، حيث هناك عمل له، اما عكس ذلك، فإن إمكانية أن يصبح عاطلاً عن العمل تبقى الأكثر ترجيحاً!
الخاسرون كثر أيضاً، في طليعتهم، رئيس حزب المستقبل يائير لبيد، الذي بات مستعداً للدخول لقيادة حزبه الجديد في معترك الحياة السياسية من خلال انتخابات مبكرة، والآن سينتظر حتى الانتخابات القادمة في موعدها أواخر العام القادم. هجومه اللاذع على اتفاق نتنياهو وموفاز، يشير إلى مدى صدمته من جراء إلغاء الانتخابات المبكرة.
أما حزب العمل بقيادة شيلي يحيموفيتش، فقد خسر الرهان على مضاعفة مقاعده في الكنيست حسب استطلاعات الرأي، وبحيث يصبح الحزب ثانياً في البرلمان، صحيح أنها أصبحت زعيمة المعارضة، إلاّ أن هذه المعارضة ستبقى هشة على ضوء امتلاك حكومة الوحدة الوطنية لـ 94 مقعداً، وهي الأوسع في تاريخ حكومات إسرائيل كما قال نتنياهو في مؤتمره الصحافي أمس الثلاثاء.
الاندفاع إلى حرب مع إيران، بات هاجس الكثير من المحللين السياسيين في إسرائيل وخارجها، لأن توسيع الحكومات في إسرائيل، عادة ما كان وراء حروبها، مع ذلك، فإنه ليس من المرجح أن هدف هذا التوسع الحكومي هو القيام بمثل هذه الحرب، وكان يمكن لها أن تقوم، لو كان هناك قرار سياسي بذلك، في ظل الحكومة التي كانت، رغم كل شيء الأكثر استقراراً، إلاّ أن حكومة الوحدة الوطنية هذه تبعث برسالة إلى كل الأطراف، من أن بوسع إسرائيل جر العالم كله إلى هذه الحرب، ونعتقد أن الأمر لن يعدو كونه إرسال رسالة فحسب!!