مخاض التشكيل
سيكون بارعاً من جعل نفسه مصدراً لـ "تسريب" حيثيات خاطئة لمخاض التشكيل الحكومي؛ إن كان قصده رمي التوقعات في قاع الوادي، لكي يصبح الإعلان عن القائمة الحقيقية، بعدئذٍ، وما سيتبدى فيها من بؤس مؤكد، بشارة خير، قياساً على منطوق "التسريب"!
أما إن كان معظم ما نُشر من حيثيات، هو الأول والآخر، تتطابق فيه المشاغلة مع الحقيقة، والتمويه مع الصورة؛ فإن الأمر سيصبح مدخلاً لقول على قول، مع الاعتذار للفلسطيني الفصيح، سامي الكرمي، مقدم برنامج الـ BBC في عهود ابتهاجنا بالراديو!
رأس القول هو أن منطق الاختيار، ما زال على حاله: استحضار فصائل، بعضها لا وزن له، واسترضاء القطب الفياضي، لكي يزن أكثر، في عملية يظنونها قبّان التاريخ، من صنع ورش آل نيروخ. ذلك بينما المُرتجى، هو أن يكون لدينا فريق عمل، وملخص منطق التشكيل فيه، إن هذه وزارة ـ مثلاً ـ وهذه تجربتها المرصودة، وهذه مواضع الخلل في أداء من كان يحمل حقيبتها، وبات المطلوب، هو الشخص الذي لديه تصوّراً ويمتلك القدرة على تغطية الثغرات، وعلى أن يستحث سياقاً فعالاً لوزارته. وقلنا مراراً، إن الصيغة التي بتنا أسرى لها، في تعيين الوزراء والسفراء، هي أن لدينا شخص أو شخصية، تعز علينا أو يهمنا أمرها، ينبغي إرسالها الى الموضع الذي يُرضيها أو الذي تهنأ فيه، وليس إن لدينا وزارة أو سفارة، تتطلب مهارات ومناقب معينة، وفيها تحديات معروفة، وينبغي أن يذهب اليها من يستطيع أداء مهمته فيها بكفاءة!
أصل موضوعنا، وهو الحاجة الى تشكيل حكومي فعال، والى سد الثغرات وملء الشواغر في الحكومة؛ هو ما بدا عليه الجهاز الحكومي من ضعف. وإن صدقت "التسريبات" فسنكون قد عدنا الى المنطق المقلوب نفسه، حتى وإن أدخلنا على صيغة هذا المنطق، استحداث أمر يسترضي "فتح" وهو تعيين نائب رئيس حكومة من قياداتها الهجينة!
* * *
فكاهات المخاض ودعاباته، التي تتركز في كل مرة، على ظاهرة الاستوزار، وما يتخللها من هجمات أوراق بيانات التأهيل والسيَر الشخصية (الـ CV) على دائرة اتخاذ القرار؛ لا يعادلها بؤساً سوى تنظيرات منتقدي التشكيل باعتباره حجر العثرة في طريق المصالحة. وكأن هذه المصالحة ناجزة، ولا عقبات تنشأ في طريقها، إلا عندما نأخذ المقتضى اللازم، لتفعيل عمل الجهاز الحكومي ومعالجة شلله، الى أن يحين موعد الفرج، بالتوافق الذي تمن به علينا النورانية الحمساوية!
كثيرون أرسلوا الـ CV عبر وسطاء. وبات اسم هذه الأيقونة، متداولاً على ألسنة البسطاء في زمن الجهات الدولية المانحة، وليس بالضرورة أن يعلم معناها كل من يتداول اختصارها، علماً بأن في المعنى، ما يتعلق بالسيرة الشخصية وببيانات التأهيل التي ننطقها بمختصر مصطلحها اللاتيني Curiculum Vitae (كريكيولام فايتي). وهذه وثيقة مطلوبة لمن يتحرى الدقة عند التعيين، وستكون مخادعة في أوضاع البهللة التي تسمح برص الفقرات لعرض قدرات إغراقية.
أحد الإخوة من "التشريعي" المُعطل، كان يعلل رفضه للتشكيل طلباً للتفعيل، بالأكلاف المالية له، قياساً على قانون أقره "التشريعي" نفسه، يمنح الوزير ولو ليوم واحد، نصف الراتب الوزاري مدى الحياة، في حال خروجه من الوزارة. تحدث مجازاً عن يوم عمل واحد، أو نصف يوم (وهذا لم يحدث، وإن كانت هناك حالات قليلة كان العمل الوزاري فيها لمدة أشهر، والحكومة الحالية مكثت أطول المُدد). لكن النائب الذي نحترم، نسي أنه وزملاؤه، لم يتوقفوا عن تسلم مخصصات مقررة، ونثريات مقررة، على الرغم من تعطل العمل. بل إن نواب "حماس" ظلوا يتلقون بيُمناهم مخصصات السلطة "الفاقدة للشرعية" حسب خطابهم، وبيُسراهم يومئون في اتجاه السلطة نفسها بالإصبع الوسطى.
كثيرة هي مفارقات المخاض وفكاهاته. ولعل أهم ما نتمناه، هو أن يكون "التسريب" بارعاً، وأن يتضح مع إعلان الحكومة، ان المقصود ليس إلا ذر الرماد في العيون، لكي يرمينا هذا "التسريب" في قاع الوادي، لنصبح بعدئذٍ، سعداء بالأفضل على بؤسه!