بين احتلالين
احدى مشاكلنا مع الاحتلال انه يتحكم بحركة القيادة الفلسطينية للشعب الفلسطيني، ويجعل حركتها مربوطة بمزاجيته، ويهدد دائما بسحب ما يسمى بطاقات ال vip التي تخول حاملها التنقل بحرية مقيدة من والى خارج حدود الوطن.
كانت تلك البطاقات، هي محل انتقاد دائم من قبل حركة حماس، وتعتبرها تنازلا فلسطينيا عن حق سيادي. ربما من حيث الحق كلام منطقي، اما من حيث الواقع المعاش، فهو حق يراد به باطل. لانهم يعرفون مضمون الاتفاقيات، وعسف الاحتلال، ومحاولة سلب الارادة الفلسطينية.
ازعجني جدا، الكلام الذي قيل عن الترحيب، او السماح، من قبل هنية للاخ نبيل شعت وللوفد المرافق له بزيارة غزة. وكانه اصبح للبعض الفلسطيني اجبارية المرور في نفق بطاقات ال vip الخاصة بالشخصيات الفتحاوية الى غزة، ولا نعرف العبور اذا كان سيتم عبر المعبر او نفق.
هل بتنا امام احتلالين؟ هل ما نكتبه هو اجتهاد؟، او خطا تحليلي من قبلنا، ام هو الواقع المرير، الذي فشلوا في تجاوزه؟ واصبنا بالاحباط، واصبحت كلمة مصالحة هي رمز للاستهتار بمشاعر المواطن.
ان حادثة الترحيب او السماح، ليست حدثا عابرا، بل هي ذات دلالات مقيتة، وهي تكريس للاستيطان الانقلابي وتكريسه، لانه لا فرق بين بناء الاستيطان وخطورته، وبين الانقلاب واستمرار الانقسام والتعاطي معه كامر واقع بات من المحال تجاوزه او القفز عنه.
هل حقيقة ان حركة فتح هي حركة محظورة في غزة؟ او في افضل الظروف هي مقيدة الحركة وفقا لرغبة حركة حماس.؟ اسئلة كثيرة ترددت قبل ان اطرحها، لاني حريص على لئم الجرح الانقسامي والانتهاء منه، ولا اريد من كلامي ان اسهم في تعميق الجراح.
لكن في مقارنة بما يفعله الاحتلال، وما تفعله حركة حماس، هناك الكثير من القواسم المشتركة، قد يخرج البعض لتبسيط الامور، وليقول ان الاعتقال والحظر متبادل بين الضفة والقطاع. ولكن هناك فرق بين الثرى والثريا، فالضفة ما زالت تعيش تحت الاحتلال الصريح، وهناك سلطة شرعية واحدة يحكمها قانون واحد، واجهزة امنية موحدة تتعاطي مع الجميع وفق القانون، وقد يكون من فتح موقوفين تجاوزوا القانون، وفي دراسة لواقع الاجهزة الامنية، انها تقوم بدورها ولا ملاحظات سوى الاتهام السياسي لها من خلال تسييس اي عملية اعتقال جنائية، ويشهد لجهاز المخابرات العامة بدوره في حماية الوطن والمواطن، وايضا للاجهزة الامنية التي اجتمع بها الرئيس قبل الايام غداة الاحداث المؤسفة في جنين وطلب اليها الضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه العبث بامن الوطن والمواطن. اما في غزة فحدث ولا حرج، حيث القانون هو الضحية الاولى، وغزة تعيش الاضطهاد المركب من حصار الخارج، وقيود الداخل.
ما آلمني اكثر، انه في الوقت الذي كنا ننظر فيه الى دولة الاحتلال بتعزيز الانقسام الداخلي فيها، وتقريب موعد الانتخابات، فوجئنا جميعا بتعزيز وحدتهم الحكومية من خلال الاتفاق بين نتنياهو وموفاز. وبغض النظر عن تحليلات البعض عن من الفائز او الخاسر بينهما، تبقى دولة الاحتلال هي الرابح الاكبر.
القيادات الفلسطينية التي اطلقت مارتونا من جولات الحوار المستمرة منذ سنوات عدة، ودائما تتحفنا بتلقى البشائر والوعود بان المصالحة على الابواب، اصابتنا بمقتل من الاحباط، وفقدان الثقة، والاهم بالقناعة الراسخة، ان الوطن عند البعض لا يعني سوى وسيلة للربح، وجواز مرور الى الواجهة. والوحدة هي شعار اشبه بشيك بلا رصيد، لان الرصيد في مكان اخر.
ان اكبر هزيمة تلقاها الشعب الفلسطيني وبامتياز، هي فعل الانقسام، وهو بتداعياته اصعب من الاحتلال نفسه، ولهزيمة الثاني لا بد من هزيمة الاول، وكل من يعمل على تكريسه فهو احتلال زائد، وهنا تقع المهمة الاولى على الشعب الذي رفع ذات مرة شعار انهاء الانقسام، فسقط هو في بحر استنكافه وعزوفه عن الاستمرار لتحقيق مطلبه، فسقط الشعار تلقائيا، انهضوا من صمتكم وخوفكم، وتمردوا على احباطكم لتستطيعوا انهاء الاحتلالين اللذين نعيش في كنفهما.
الكاتب والمفكراحسان الجمل
مدير المكتب الصحفي الفلسطيني – لبنان