زبالة
ماذا يوجد تحت طاولة مكتبك؟ سلة مهملات ورقية. ماذا يوجد في شوارع مدينتك؟ سلال على الرصيف لجمع القمامة. ماذا يوجد في ظاهر مدينتك؟ مكان لتكويم تلال الزبالة..
من سلة المهملات الى تلال الزبالة توجد سياسة هي إدارة النفايات الصلبة، وهي غير سياسة إدارة النفايات السائلة: مياه الأمطار، ومياه ثقيلة سوداء يسمونها هنا مياهاً عادمة، وفي سورية مياهاً مبتذلة.
نجاعة هاتين السياستين تشكل مقياساً لادارة سليمة في دولة تهتم بالصحة العامة وبالبيئة، لأن التحذير من مخاطر السيكارة على صحتك (رئتيك وقلبك بخاصة) يرافقه تحذير من مخاطر التلوث على "رئة الأرض" أي غلافها الجوي.. من تفاعلات روث الأبقار الى عوادم السيارات.. وهناك مقاييس للتمدن والصحة وسلامة الغذاء، ومن أبسطها الى أعقدها: كم يطرح الفرد في الدول المتقدمة من أطنان المهملات والقمامة والزبالة سنوياً. وكم ليتر ماء يستهلك يومياً؟ وكم سعراً حرارياً من غذائه وشرابه.. والآن، كم نسبة "إعادة التدوير" من الفضلات جميعها: المعادن والورق ونفايات الطعام والزجاج.. وخصوصاً بطاريات تحتوي الكاديوم السام.
أعظم الاهتمام هو إعادة تدوير المياه المستعملة، لأن المياه العذبة لا تشكل سوى 1% من مجموع المياه على الكرة الأرضية (الأنهار والمياه الجوفية) والاهتمام الثاني المستجد عالمياً هو سلامة جو الأرض (رئة الأرض) من الغازات السيئة، منذ أن عقدت "قمة الأرض" الأولى في ريو دي جانيرو قبل ثلاثين سنة.
فلسطين تخطو خطواتها الأولى لإدارة النفايات السائلة مثل شبكات المجاري في المدن، ومن ثم إعادة تنقيتها وتدويرها، وكذلك النفايات الصلبة.. والأمران يحتاجان التنسيق مع الطرف الآخر الاسرائيلي، لأن خزانات المياه الجوفية لا تعترف بالحدود السياسية، وتحتاج دول العالم للتنسيق في سلامة جو الأرض. الموضة في صناعة السيارات هي كم ليتر وقود تستهلك في مسافة من الكيلومترات.. لكن، كم من الغاز السيئ تطرح أيضاً. الحلم هو سيارات تسير بقوة تحليل الماء.
أخيراً، تمت خطوة أخرى نحو سلامة إدارة النفايات الصلبة في وسط الضفة، بعد توقيع اتفاقية مع الألمان لانشاء مكب نفايات مركزي في قرية رمون شرق رام الله، وهو واحد من ثلاثة في الضفة واثنين في القطاع، تم انجاز مكب واحد نموذجي هو "زهرة الفنجان" لمنطقة شمال الضفة.
الحل السياسي مع اسرائيل لا يزال بعيداً، لكن الحلول البيئية تفرض نفسها، رغم تقسيم الضفة الى (أ.ب.ج) وبعد مفاوضات أمكن شق شارع الى مشروع مدينة "روابي" يجتاز المنطقة (ج) والآن مشروع مكب نفايات في المنطقة ذاتها، اما التنسيق في النفايات السائلة، فالاسرائيليون يريدون ربط مجاري المستوطنات بمجاري المدن، وهذه مشكلة سياسية أكثر منها بيئية.
اقترح الاسرائيليون انشاء مكبات مشتركة في المحاجر القديمة في الضفة، وتقوم الدول الصناعية بدفن نفاياتها الخطيرة سراً في بعض دول العالم الثالث، وهو أمر مرفوض.
مكب النفايات المركزي لمدن رام الله والبيرة وبيتونيا في المنطقة الصناعية وصل طاقة الاستيعاب القصوى، ما دفع بلدية رام الله لتخصيصه لنفايات المدينة وحدها، وهي تقوم بجمع الزبالة فيه، مع تغطيتها بطبقات من الركام والتراب، ومن ثم زراعة الأشجار في المكب بعد إغلاقه الوشيك.
المكبات الحديثة، كما في "زهرة الفنجان" قرب جنين صممت للحد من تلوث المياه الجوفية، التي وصلت حداً خطيراً في قطاع غزة، ولكن تبقى المياه الجوفية في الضفة من الافضل في المنطقة.. حتى الآن.
كانت رام الله تتمتع بجو نقي، والآن تحمل الرياح الغربية هواء ملوثاً إليها من وسط اسرائيل المدني الكثيف، عدا زيادة التلوث لزيادة عدد السيارات التي صارت تنفث غازات تعادل ما كانت تنفثه سيارات الضفة قبل عشرين سنة.
اما صناعة "التدوير" فهي لا تزال أولية في الضفة، وتكاد تقتصر على تدوير حطام الحديد والمعادن وكذلك تنقية المياه.
من البيت النظيف، الى الشارع النظيف، الى المدينة النظيفة... ثم البيئة العالمية النظيفة، عندما نجد حلاً لحرق النفط والوقود الأحفوري!