توفيق وصفي:عرفات لم يمت!

423197_301341889921842_170737262982306_873656_723308848_n

العنوان بالتأكيد مجازي، فكل ابن آدم سيموت لا محالة، لكنني أكاد أُحس بحضوره السياسي على الرغم من افتقادي الموضوعي له كزعيم ذي كاريزما نادرة، فخَلَفه الرئيس محمود عباس لم يخترع سياسة جديدة بعد رحيله المؤثر منذ نحو سبع سنوات لا على المستوى الداخلي ولا الخارجي، وإن كان قد جاء في مرحلة أشد تعقيدا على كل محاور الصراع الكوني خاصة في الشرق الأوسط، ففعل ما كان سيفعله سلفه البراغماتي الشجاع، باختيار ما تتقاطع حوله مصالح الشعب الآنية، دون الحيد عن المصلحة الوطنية العليا، المتمثلة في الحرية والاستقلال، دون أن يتنازل عن أي من الثوابت العرفاتية.

استهلّ الرئيس أبو مازن فترته الرئاسية بتوجه وحدوي لا يتعارض وتوجهه السلمي لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وذهب كسلفه إلى أبعد مدى في محاولة توحيد المتناقضات الفلسطينية في إطار جامع، بالرغم من وعورة الجانب السياسي والأيديولوجي في مدّ الجسور بين الإخوة الفرقاء، مرورا بكل منعرجات طريق المصالحة إلى لحظة إعلان الدوحة وما قبلها في القاهرة، في تحد صريح للتهديدات الإسرائيلية والتحذيرات الأميركية، والتخيير الوقح بين حماس وإسرائيل.

يعيدنا هذا الحال إلى أبو عمار، الذي كنا نلومه على حمل أكثر من بطيخة بين يديه الناحلتين خشية عليه وعلينا، دون أن يدرك كثيرون منا أن الأقدار تجعل لوحة "جمل المحامل" للراحل الكبير إسماعيل شموط للفلسطيني الذي يحمل القضية قدراً دائماً لزعمائنا، يتوارثون الحِمل وهمه الثقيلين دون أن يقولوا تعبنا، وحين يرحلون شهداء نردد بحسرة "وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر"!

نخشى على أبو مازن الصامد حتى الآن من أن تكون التوليفة الجديدة للتوافق الداخلي مجرد محاولة لتحميله الهم مؤقتاً، تتراكم أثقالها دون نشوء واقع وحدوي حقيقي ينقل العبء الوطني بكل تشعباته الداخلية والخارجية إلى هيئة جامعة تمثل الكل الفلسطيني، بصرف النظر عن الخروق القانونية التي أحدثها مضمون إعلان الدوحة التوافقي، فإذا بنا أمام استحقاقات مضاعفة تُرحّل إلى الجيل التالي، أعانه الله على إرثه الثقيل بملفاته غير المُنتهية، بالرغم من التوافق على تسكينها!

tawfiqwasfi@yahoo.com