حكومة على الورق: منصة الهجوم على إسرائيل
رغم مضي أكثر من أسبوع على توقيع إعلان الدوحة، إلا أن البحث في التشكيل الوزاري الجديد لم يبدأ بعد، وعلى غير العادة الفلسطينية، فإنه باستثناء الإعلان عن أن الرئيس محمود عباس سيتولى رئاسة حكومة التوافق الانتقالية الجديدة ذات المهمة المحددة بالإشراف على الانتخابات العامة وإعمار غزة، فإن الطرفين لم يعلنا أي شيء يتعلق لا بآليات تشكيل الحكومة الجديدة ولم يبدآ بعد، ولا يبدو أنهما في عجلة من أمرهما للإعلان عن المرشحين من قبلهما للمشاركة في تلك الحكومة!
كأن الأمر كان مجرد إعلان سياسي، أكثر منه أمراً إجرائياً، تم اتخاذه بهدف التنفيذ، أو أنه جاء بهدف احتواء تفاعلات الوضع الداخلي الفلسطيني، خشية أن ينزلق إلى حالة يفقد فيها الطرفان السيطرة الميدانية، بعد أن أتضح عجزهما _ في المدى المنظور _ على الأقل عن وضع حد فعلي وحقيقي للانقسام الذي يقض مضاجع الفلسطينيين أينما وجدوا، خاصة وأن الحقيقة تشير إلى أنه لو كان الإعلان تنفيذاً لاتفاق القاهرة، لكان يجب على الطرفين أن يلتزما أولاً بالمواعيد المحددة في ذلك الاتفاق، حيث كان إعلان الدوحة نفسه قد تجاوز، موعد 26 من كانون ثاني الماضي أو حتى الحادي والثلاثين منه، لإعلان تشكيل الحكومة، وليس لإعلان الاتفاق على رئيسها !
لمزيد من تبرير الحالة، يحيل بعض الناطقين باسم السلطة الأمر إلى ما أحدثه الإعلان من جدل داخل صفوف حركة حماس، حيث تبدو معظم "مراكز قوى" الحركة داخل قطاع غزة معارضة للإعلان، وتظهر تحدياً لسلطة خالد مشعل، رئيس الحركة عليها، ومن الواضح أنه مع ملاحظة سيطرة كل من الرئيس عباس والسيد مشعل على الضفة الغربية وقطاع غزة _ تباعاً _ الأول من خلال أمساكه بمقاليد الأجهزة الأمنية، والثاني من خلال سيطرته على كتائب القسام، فإنه يمكن القول إن اتفاق الرجلين على تشكيل حكومة جديدة جاء بمثابة من يدفع من جيب غيره، لأن تشكيل حكومة جديدة سيكون بالطبع على حساب حكومتين قائمتين، ينتفع بوجودهما العديد من مراكز القوى، لذا من الطبيعي أن تجد من يعارض الخطوة هنا في غزة ومن لا يتحمس لها هناك في الضفة!
إحجام الطرفين الموقعين على إعلان الدوحة عن متابعة تنفيذ الإعلان بالسرعة والجدية المتوقعة يعني أن الإعلان نفسه كان سياسياً أكثر منه إجرائياً _ كما أسلفنا _ وأنه جاء كهمزة وصل بين انتهاء جولة الاستكشاف التفاوضية في عمان الشهر الماضي، والتحضير لهجوم سياسي / دبلوماسي فلسطيني جديد على إسرائيل، يتابع ما سبق بدؤه في أيلول من العام الماضي، على طريق انتزاع عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، وذلك لتجاوز العقدة الأوروبية التي رفضت التصويت في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الفلسطيني، وذلك من زاويتين: الأولى هي انتهاء مهلة الثلاثة أشهر التي أرادتها اللجنة الرباعية الدولية في محاولة لإحداث اختراق تفاوضي، والثانية نزع ما سيق من مبرر لعدم تصويت الأوروبيين لصالح القرار، وهو وجود الانقسام.
في ظل عدم وجود ضغط ميداني على إسرائيل، وعدم نجاح الرئيس الفلسطيني بإطلاق ربيع فلسطيني ضد إسرائيل _ بعد _ تهتم القيادة الفلسطينية بترتيب الأوراق الداخلية ومن ثم العربية حيث أمكن، وهنا يمكن القول بأن قائد "حماس" يدرك هذه اللحظة التاريخية التي تؤهله شخصياً ربما، لاحتلال الموقع القيادي الأول، ما بعد رئيس السلطة ورئيس المنظمة الحالي _ الرئيس محمود عباس _ فيما لا تتجاوز مواقف أخوته في قيادة "حماس"، الذين يعلنون قولاً أو فعلاً معارضتهم لإعلان الدوحة، المناكفات الداخلية التي تشير إلى حسابات شخصية وحزبية ضيقة.
المهم أن الإسرائيليين يتابعون الأمر عن كثب، ويحسبون كل حساب جدي، لما سيقوم به الفلسطينيون، وهم يعلمون المدى الذي يمكن أن يصلوا إليه، فعلى طريق إنهاء الانقسام، وان كان المستوى القيادي الأول _ عباس / مشعل _ يبدي كل مسؤولية ممكنة، إلا أن مواجهته للعقبات الداخلية تضعف من قدرته على الانطلاق بعيداً على هذا الطريق، كما أن مهمة حكومة التوافق حتى في حال تشكيلها، وذلك ممكن لمجرد أن يبدأ الرئيس رئاسة اجتماعات حتى الحكومة الحالية، ربما بعد تعديل عليها، بالإشراف على الانتخابات لن يكون ممكناً نظراً لحاجة الفلسطينيين لموافقة دولية ومن ضمنها إسرائيلية لإجرائها _ خاصة في القدس _ كذلك فان مهمة إعمار غزة، وكانت بمثابة الجزرة التي قدمت حتى يضمن موقعا إعلان الدوحة موافقة مراكز القوة في غزة عليه، لن يكون ممكناً، ما لم يبد العرب الجدية أولاً في ذلك ومن ثم المجتمع الدولي، أما قطر التي رعت الإعلان، فهي تريد أن يتفرغ الجميع لحل الملف السوري، لا أن ينشغلوا بأمور أخرى . المهم أن إسرائيل التي تتابع الأمر بجدية، تفكر في قلب الطاولة على الجانب الفلسطيني _ بتوتير الأوضاع ميدانياً _ وليس هناك أفضل من المساس بالقدس، لتحقيق هذه الغاية، وإفقاد الفلسطينيين أعصابهم، علهم يندفعون إلى انتفاضة ثالثة، على شاكلة الثانية، هذا ما دامت واشنطن "تعارض" في المدى المنظور هروب إسرائيل إلى الملف الإيراني بتوجيه ضربة لإيران!
لا يعقل إذا أن تكون القيادة الفلسطينية وما توقع عليه من اتفاقات فيما بينها معلقة في الهواء، خاصة وان جميع القوى السياسية طالما تغنت بالمصالحة وإنهاء الانقسام، لكن على ما يبدو لان حكومة التوافق ستكون حكومة تكنوقراط ومستقلين _ نرى أحجام الفصائل عن الاهتمام بأمر تشكيل هذه الحكومة _ ثم إن كلاً من حركتي فتح وحماس التي يرأسهما عباس ومشعل، موقعا الاتفاق، لا تبديان الاهتمام بمتابعة الإعلان وتشكيل الحكومة الجديدة، للسبب ذاته تقريباً.
السؤال إذا هو كيف يمكن إطلاق هجوم سياسي على إسرائيل دون تحضير منصة الإطلاق وإعدادها جيداً _ حكومة التوافق _ وهل تفرغ معارضة حماس / غزة، توافق مشعل مع عباس الإعلان من مضمونه وتحيله إلى حبر على ورق ؟ ربما كان الجواب قاسياً، لكنه يشير إلى أي مدى يحتاج فيه الفلسطينيون إلى ربيع فلسطيني، لكنه ليس موجهاً للاحتلال وحسب ولكن ضد الاحتلال ونظام سلطة الفصائل معاً وفي آن واحد!