الوفد "الإخواني"في واشنطن: التطمين قبل التمكين
لم يُفاجأ كل من أجاد قراءة الخلفيات الكامنة وراء تطورات المنطقة، بالانفتاح الأمريكي على حزب "الإخوان" المصريين. والمستقبل كفيل بأن يكشف صواب ما قلناه استنتاجاً، في وقت مبكر، وملخصه أن تيار ما يُسمى بـ "الإسلام الوسطي" كان خياراً أمريكياً، بعد أن سقطت وصفة المحافظين الجدد، للتعامل مع القوى الإسلامية في بلداننا. فقد اقتنع هؤلاء المحافظون أنفسهم، بوجوب الرهان على الجماعات "الوسطية" حتى وإن كانت تطفو على سطح خطابها، قشرة مؤقتة من اللغة "الجهادية" مثلما كان الوضع مع "حماس". فقبل القرار الأمريكي باجتذاب هذه الأخيرة للعملية الانتخابية الفلسطينية، بتذليل كل العقبات أمامها، على الرغم من التوقعات القوية بفوز "حماس" آنذاك؛ كانت الأمثلة على حقيقة "الاعتدال الوسطي" قائمة في العراق وتركيا وسواهما. والأمريكيون في حربهم ضد "السلفية الجهادية" راهنوا على قوى فاعلة في بلدانها، يمكنها أن تناهض هذه السلفية وتعزلها، باستخدام لغتها وثقافتها التي هي أفعل من الأساطيل، وفق تقديرات خبراء أمريكيين. ويعلم هؤلاء الأمريكيون أن "الإخوان" طُلاب حكم، وأنهم يتحدثون بثلاث لغات عربية، واحدة لمخاطبة جمهورهم الملتزم بالسمع والطاعة، وأخرى لمخاطبة القوى الليبرالية في بلدانها، وثالثة، وهي المهموس بها، مخصصة للقوى الدولية المتنفذة. في اللغة الأولى، يتحدثون عن "التمكين" الذي يضاهي التحايل على الصعاب، وصولاً الى القدرة على الأخذ بالمقتضى الشرعي، في التعاطي مع قضايا الشعب والأمة، فيرضى جمهورهم وينام على الأمل. وفي اللغة الثانية، يتحدثون عن دولة مدنية، وعن دستور عصري، ليس هو "القرآن الكريم" بالطبع، حسب منطوق الشعارات والأناشيد الداخلية. أما في حديث اللغة الثالثة، مع القوى الدولية، فهم الأجدر والأقوى، والأكثر قدرة على أخذ الناس الى خياراتهم، والأشد التزاماً بضوابط العلاقات الدولية، التي تكمن في قلبها العلاقة مع إسرائيل. وبالتالي يُعوّل عليهم وليس على الشرائح "الفاسدة" الحاكمة، التي يقابلها الناس، في كل أمر، بالشكوك!
* * *
على هذا الأساس، سافر وفد الحزب "الإخواني" الى واشنطن. وبدت تشكيلة الوفد، كمفرزة استطلاع ذات مهمة ضرورية، قبل الانخراط في علاقات رسمية. وحرصت "الجماعة" على أن يتشكل وفد واشنطن، ممن يجيدون اللغة الإنجليزية ويعرفون الثقافة الأمريكية بالمعايشة. وروعي أن تكون من بينهم امرأة، بسبب أهمية موضوع المرأة في الخطاب الأمريكي المتعلق بالعالم الإسلامي. وكانت سندس عاصم، عضو لجنة العلاقات الخارجية في حزب "الحرية والعدالة" أكثر تدفقاً في الحديث عن قوة "الإخوان" الوازنة المعتدلة، باعتبارها عنصر الضبط بين العلمانيين والإسلاميين المتشددين. وفي جامعة جورج تاون، أفاضت سندس في الحديث عن كتاب شهير في الثقافة الأمريكية عنوانه "الوصايا السبع للأشخاص الناجحين" وقدمت له مقاربات قرآنية، في إطار التأكيد على منحى "الجماعة" التي اعتمدت "تحرير الاقتصاد، والإصلاح السياسي والشمولية الاجتماعية"!
* * *
أثناء الزيارة، وفي أحاديث الوفد "الإخواني" من المستوى الثالث في حزبهم؛ لم يأت ذِكر إسرائيل والقضية الفلسطينية، وإن أشير بوضوح الى "الأولويات" وهي حرية التعبير والعدالة للجميع، واختيار الديانة وضمان التعددية. وكان نصيب قضايا الأمة، من الأحاديث، هو التأكيد بلسان عبد الموجود الدرديري، الأستاذ في جامعة مينيسوتا الأمريكية والنائب الآن في مجلس الشعب المصري؛ على أن هدف "الإخوان" هو الدولة المدنية والإعلاء من شأن الشريعة "وليس تطبيق أمور بعينها"!
هذا التلميح الى الموقف من "أمور بعينها" هو الذي رشح من جوهر الكلام في الغرف المغلقة، ومن بينها غرف البيت الأبيض، حيث جرى لقاء مع موظفين فيه. وجوهر الكلام الذي نعنية، يتأسس على حقيقة أن الأمريكيين لن يستهلوا أصلاً التحادث مع "الإخوان" قبل أن يحسموا موضوع إسرائيل. ويعرف الذين أرسلوا الوفد، أن هذا هو شرط العلاقة، وبالتالي حسموا أمرهم على "التطمين" قبل "لتمكين"!