لا عزاء للسوريين في "القمة"
وحده المنصف المرزوقي، رئيس تونس الجديدة؛ هو الذي حسم موقفه علناً، بالانحياز الى الشعب السوري تفجعاً على دمة النازف. كانت لكل متحدث، في الجلسة الافتتاحية للقمة العربية في بغداد، أسبابه ومحاذيره، التي جعلت كلامه عاماً وفضفاضاً، وبعض هذه الأسباب مفهوم ومبَرَر!
كأن دم إخوتنا السوريين الذي يُسفك على مرأى ومسمع من العالم، يقدم للكثيرين درساً أو تمريناً على احتمال مشاهد القتل المروّع، وصولاً الى حال البلاهة وعدم الاكتراث. لكننا نخشى، والحال هذه، أن يظل دمنا الفلسطيني، حين يُسفك، غير ذي أهمية، وأن يتخذ المحتلون، من المثال الأسدي، حافزاً على قتل يومي بالجملة، إن نفد صبر الجماهير الفلسطينية على مظالم الاحتلال واستبداده فانفجروا مجدداً مثلما انفجر السوريون بعد طول صبر ومعاناة. وعندما يفعل المحتلون ذلك، فإنهم يستمدون من اللامبالاة العربية حيال دم السوريين (وعنوان هذه اللامبالاة، الغياب اللافت للغضب الذي يستحقه سفك دماء الأشقاء) عناصر تشجيع. فالنظام السوري معزول في العالم، على النقيض من الدولة العبرية، ومع ذلك يقتل بوقاحة مستهتراً بالأمة وبالعالم وبالضمير الإنساني. والمحتلون عندما يقتلون، فإنهم يضربون في معسكر أعدائهم الطبيعيين، ويتقبل جمهورهم جرائمهم، بينما النظام السوري، يقتل شعبه ويغضب العرب والمسلمون وينامون كل ليلة على أحزان جديدة. لذا فإن الأسديون يشجعون العنصريين الصهاينة، ويقدمون لهم البراهين على أن ممارستهم للقتل ولقصف الأحياء السكنية، ستكون أسهل بكثير!
* * *
اللامبالون يلمحون الى أن الحل في سورية، سيكون تحت سقف النظام، وإلا فليتحمل السوريون ما يجري لهم. والمتفزلكون يعارضون تسليح المعارضة، ويزعمون أن تسليحها، هو الذي سيجلب الحرب الأهلية. ذلك علماً بأن النظام الحاكم المترنح في دمشق، يشن منذ سنة، حرباً أهلية على شعبه، وهو لن يعود عن سياقه الإجرامي دون معارضة مسلحة تكبحه وتوقفه عند حده. أما عناصر الحرب الأهلية، فهي تختفي بزوال النظام مثير النعرات، ومعتنق الظلم الذي يعتمد القتل والبطش استراتيجية بقاء!
ليس هناك أدنى شك، في أن ثورة السوريين لم تنتظر غيثاً من قمة بغداد، مثلما لا ينتظر الفلسطينيون منها مدداً. ولحسن الطالع، أن السوريين، ماضون في انتفاضتهم الشعبية حتى كنس النظام الى مزبلة التاريخ. فلا شىء سيكون تحت سقفه، إلا شلال الدم، ولا حل دون إسقاطه. وعقارب الساعة، لن تعود في سوريا الى الوراء، وسيخجل المتلكئون اللامبالون، من مواقفهم بعد أن ينتصر السوريون. وإن لم تكن خطة عنان، بداية الطريق لحل عادل يصل بالسوريين الى الديموقراطية التي لا تتحقق ببقاء الأسديين في الحكم؛ فإنها ستكون مضعية لوقت أصحابها، وسبباً في إزهاق الكثير الكثير من الأرواح وتدمير الكثير من المقدرات. وأي طريقة للتحايل، غايتها إبقاء النظام، ستكون سبباً في تدمير سوريا، وهذا ما ينبغي أن يكون معلوماً منذ الآن!