يوم الأرض والقدس.. يوم الامتحان

talal.okal

مضاعف وخطير الاختبار الذي تمر به القوى السياسية الفلسطينية والعربية والإسلامية منها على وجه الخصوص، يوم غد الجمعة الذي يصادف الذكرى السادسة والثلاثين ليوم الأرض، والذي تم اختياره ليكون يوم المسيرة العالمية إلى القدس.

مناسبتان كبيرتان في يوم واحد، وكأنهما تشيران إلى صحوة عربية وإسلامية تتماشى مع التغيرات التي تجتاح الوطن العربي، وتتصدرها الأحزاب والحركات الإسلامية، التي "تبشر" بشتاء إسلامي.

منذ ستة وثلاثين عاماً، حمل الفلسطينيون المنزرعون في أراضيهم التي تحتلها إسرائيل، عبء الدفاع عن الأرض، وعن الكرامة والشرف والحق الفلسطيني التاريخي، حتى جعلوا من هذه المناسبة فرصة لتأكيد وحدة الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه التاريخية، واستعداده للدفاع عنها وحمايتها.

ومنذ ذلك الوقت، والفلسطينيون جميعاً موحدين، يجوسون أنحاء الكرة الأرضية، يشعلونها نشاطاً، وفعاليات، ليشهدوا العالم على حقهم، وليرتقوا بمستوى تضامن المجتمع الدولي مع قضيتهم. كانت المناسبات الوطنية والفصائلية، فرصة للتنافس بين الأحزاب والقوى والفصائل، والنقابات والاتحادات الشعبية، على من يقدم أكثر لفلسطين، وعلى من يحظى بأولوية تجنيد أكبر عدد ممكن من الجماهير والأنصار والمناصرين للقضية الفلسطينية. المناسبات الوطنية الأليمة منها، والبهيجة، كانت تدخل في صلب البرامج السنوية للفصائل والقوى ومؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات العمل الجماهيري، كما للمؤسسات التعليمية والثقافية، والإعلامية وغيرها، وكانت تشكل فرصاً لتأكيد وحدة الشعب والقضية والأهداف.

منذ بضع سنوات، ومع البدايات الأولى لوقوع الانقسام الفلسطيني، أصبحت هذه المناسبات، مجالاً لإظهار التمايز، والخلافات والاختلافات، وفرصة لتأكيد أولوية البرامج الفصائلية على الوطنية العامة، وأحياناً فرصة للصراع والتنافس السلبي.

بعض هذه المناسبات لم تعد تحظى بالحد الأدنى من الاهتمام، فالنشاطات التي تقع خلالها، تأخذ طابعاً شكلياً، يتوقف على إصدار البيانات والتصريحات الصحافية، والمقابلات الإعلامية، وبعض الأنشطة الجماهيرية المحدودة، من حيث الإعداد ومن حيث النوع، حتى إن بعضها تحول إلى مناسبات روتينية، لا تستحق ما يوازي اهتمام هذه الفصائل بمناسباتها الخاصة.

وارتفعت الأعلام والشارات الفصائلية، والشعارات الخاصة على حساب العلم الفلسطيني، والشعارات الوطنية، وتضاربت الهتافات، وانقسمت الفعاليات، يتلوّن كل منها بلون علم الفصيل الذي يقوم بها.

أصبحت هذه الفعاليات فرصاً لتسجيل الانتصارات من قبل الفصائل على بعضها البعض، وانقسم الخطاب السياسي والإعلامي الموجه للعالم الخارجي، ما أربك الراغبين بحماس للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

لا نتوقع أن يتغير المشهد هذا العام عمّا عرفناه وعشناه في السنوات القليلة الماضية، والأرجح أن تشكل هذه المناسبة فرصة لتصعيد الاشتباك الإعلامي، وإعلاء خطاب الاتهامات المتبادلة كل للطرف الآخر، إما بالخيانة أو التفريط، أو الرغبة في الحفاظ على حال الانقسام، أو الارتهان لأجندات أجنبية..

وحدهم فلسطينيو مناطق 1948، الذين يحرصون على تقديم خطاب وحدوي، والقيام بنشاطات جدية لإيصال رسالة الشعب الفلسطيني إلى العالم الخارجي، وهم على الأرجح الذين يعدون العدّة فعلاً للزحف نحو القدس.

لسنا في وارد جلد الذات أو استدعاء التشاؤم فوق حالة التشاؤم التي تسود جماهير الأرض المحتلة، التي لم تعد تستجيب لدعوات الفصائل، ليس لنقص في وطنيتها، وانتمائها، أو لنقص في استعدادها للتضحية، وإنما لأنها فقدت ثقتها بالفصائل وبالقيادات السياسية، التي أصبح هم المواطن في ذيل قائمة اهتماماتها وأولوياتها.

الفصائل التي لا تزال تتمسك ببرامجها الخاصة، وتقدمها على البرنامج الوطني العام، ولا تفعل سوى تكريس الانقسام، وتبريره، واتهام الآخرين بالمسؤولية عنه، هذه الفصائل التي تهتم بتلبية حاجات أعضائها وكوادرها، وتهمل احتياجات الجماهير، لن تنجح في التجربة هذه المرة أيضاً.

وإذا كان هذا هو حال العامل الفلسطيني الذاتي، وهذه هي تجلياته في هذه المناسبة الوطنية التاريخية، فإن أحداً لا يستطيع إلقاء اللائمة على الآخرين. غير أن الآخرين، والمقصود القوى الوطنية والإسلامية والقومية العربية، والتجمعات الفلسطينية خارج فلسطين المحتلة، هم الذين بادروا للإعلان عن يوم الزحف العالمي باتجاه القدس، ولذلك فإنهم يتحملون مسؤولية كبيرة إزاء كيفية تنفيذ هذا الوعد.

إسرائيل أخذت منذ بعض الوقت تتحسب لمثل هذا النشاط النوعي الذي لم تعهده سابقاً، حتى حين خرجت جماهير فلسطينية وعربية إلى جنوب لبنان، والجولان وبالقرب من الحدود الأردنية الفلسطينية، العام الماضي في ذكرى هزيمة حزيران 1967، وفي ذكرى النكبة.

إن الزحف نحو القدس الذي ننتظره يشكل تطويراً نوعياً لما جرى في العام الماضي، سواء من حيث الوجهة والهدف، أو من حيث طبيعة القوى التي دعت إليه، وحضرت له. إنه امتحان للقوى والجماعات الإسلامية التي تتقدم صفوف الأحزاب والحركات وتحظى بدعم جماهيري أكبر من غيرها، فهو امتحان لخطابها، ومصداقيتها، ومدى التزامها بالقضية الفلسطينية وبقضية القدس، وقضية الأرض، والحقوق، وإذا كانت إسرائيل أبدت قلقاً ظاهراً إزاء التغييرات التي تصاحب الربيع العربي، فإنها يوم غد ستكون أمام حقائق ملموسة إزاء الوعود التي حملها هذا الربيع العربي، وأكثر من ذلك إزاء الشتاء الإسلامي، وتداعيات ذلك على الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي.