جمعة «الإنارة» ووعي مضاد
بدت شعارات الجمعة الحمساوية أمس، مغايرة لأيام الجُمع العربية الشعبية، ذات الأسماء التفصيلية لمطلب إسقاط النظام. هي أشبه بِجمع المتكالب على السلطة، علي عبد الله صالح في اليمن، عندما كان يجمع قبيلته وأصهارها، في محاولة يائسة لإسقاط المطالبة بإسقاطه. ففي الجُمع المتتالية والموازية، التي كان يحشد فيها قبيلة «حاشد» وسكان «سنحان»، علت أصوات حانقة تدفقت بشعارات لا تتلعثم، غايتها تذكير الناس بما لم يسمعوا به أصلاً، وهو أن الحكم «الراشد» أغرق اليمن بالخير، وكرّس مفهوم المواطنة، وأسعد الناس بالمساواة والعدالة والديمقراطية، وأنجز وحدة اليمن. كأن وحدة اليمن، لم تتحقق بالارادة الطوعية لليمنيين الجنوبيين، مثلما حدث بمفاعيل إرادة «فتح» الطوعية بـ «التمكين» للحمامسة. وكأن الحكم اليمني «الراشد» لم يغدرهم بعد الوحدة، بممارسات إقصائية، كالغدر الحمساوي بالانقلاب. كان اليمنيون الجنوبيون، قد ارتضوا من الغنيمة بمحاولة الإياب، لكن صالح فتك بهم بالقوات المسلحة، وأمعن فيهم قتلاً حتى ادخلهم بيت الطاعة بائسين، مثلما أدخل الحمساويون غزة الى بيت الطاعة الآيل للسقوط!
الخطباء الحمامسة أطلقوا العنان لأنفسهم أمس. والعنان عندهم يتشكل من شقيْن: بكائية مريرة عن المظلومية، ووعود مزلزلة بفرقانات متتابعة. غير أن المشكلة ظلت في الإجابة عن سؤال مهم، وهو من ذا الذي سيصدقهم ويقبض كلامهم، لا سيما أن الشواهد كلها مغايرة لما يقولون، والوعود كلها مثل «أحلام بسبسة» التي، كان الأديب الجميل كامل كيلاني، قبل سبعين عاماً، يرتبها للأطفال صورة صورة، في كتيّبات الأقاصيص، ذلك مع فارق أن الخطيب الحمساوي لا يمتلك براءة الكيلاني ولا جمالياته!
أزمة الطاقة والكهرباء، هي نتاج مؤامرة يضطلع بها عباس وآخرون. بينما الفصائل في غزة نفسها، ومنظمات المجتمع المدني، ورجل الشارع وشركة الكهرباء، يقولون دون حرج ولا غموض، إن المسؤولية تقع حصرياً على حكومة الذين يقاومون المصالحة. ثم إن الفلسطينيين والعرب والعالم وقيادة «حماس» في الخارج، أي التي بلا مباذل حكم وبلا منافع جباية ومكوس؛ يعرفون أن الرئيس عباس أعطى المصالحة كل تركيزه!
يقول الخطباء الحمساويون، إن «المؤامرة» تستهدف «المقاومة» علماً بأن خبير الأنفاق وحافرها الأشهر، الملقب بـ «الفأر» يعرف أن الحمساويين هم ذوو الفضل على شرايين الأنفاق، لأنهم اشتروا نعيمها وبقاءها بشقاء وموت المقاومة، وأن الجولة الأخيرة أثبتت ذلك على نحو مثير للسخرية!
جمعة الإنارة الحمساوية، أضاءت ما تبقى من الجوانب الغامضة والمعتمة، في مواقف ومقاصد الحمساويين في غزة، وباتت الرؤية شديدة الوضوح، حتى للبسطاء وضعاف النظر، لأن الشاشة أصبحت بلوريّة.
أما قبيلة «حاشد» التي احتشدت، بما فيها «سنحان» فإنها ذات حجم معلوم، تجتمع أشتاته من كل أرجاء المستطيل، وتأثيرها مفقود، لكنها مستعدة للاحتشاد مثنى وثلاث ورباع، كواجب تمليه اعتبارات الجماعة ومغانمها، لعل الناس جميعاً يصّدقون. لكنهم لحُسن الحظ لن يصدقوا، بل سينمو عندهم الوعي المضاد!