مهمة كوفي أنان.. المستحيلة!
جاءت مهمة كوفي أنان، ذات الطابع العربي والدولي في آن معاً، بعد أن استحال غطاء دولي لتدخل عسكري في الشأن السوري.
لعلّه من نافلة القول، إن استبعاد الحل العسكري، لم يكن بسبب الفيتو الروسي ـ الصيني فقط، بل إنه يتعلق بصورة جوهرية وأساسية، بعدم رغبة الولايات المتحدة و"الناتو" عامة، التدخل في هذا الشأن، وحسمه بسرعة، كما حدث في ليبيا مثلاً.
لعلّ المتابع للتصريحات الأميركية، الخاصة بسورية، يمكنه أن يلحظ، بوضوح أن الولايات المتحدة، ترمي إلى طول أمد الصراع الداخلي، ووصولها إلى درجة الحرب الأهلية التي تنهك المعارضة والسلطة في آن، وهذا ما سيحيد الدور السوري ويشلّه، ويجعله بدرجة من الضعف، تصبح الاستعانة بالولايات المتحدة، مطلباً شعبياً للسوريين كافة!
منذ بدايات اندلاع الأحداث في سورية، كان واضحاً للمتابع النشط، بأن لا حسم عسكرياً قريباً للأزمة السورية، وبأن ما هو مرشح، هو تشعب تلك الأحداث وتعمق مراحلها، وصولاً لحالة الانهيار الداخلي.
لعلّ عوامل عدة، ساعدت على إطالة أمد الأحداث مدة عام فائت، وقد يكون لعام قادم أو أكثر.
أول تلك العوامل، هو عدم رغبة الدول المجاورة لسورية، بحسم الأمور بسرعة، لبنان أضعف من أن يستضيف قوات تشن هجوماً على الأراضي السورية، والمملكة الأردنية الهاشمية، لها مصالح متشابكة مع سورية، وكذلك حدود طويلة، لا تساعد على أن تكون أراضيها، موئلاً لمعارضة مسلحة، أما العراق فبات وضعه أشد ارتباطاً مع إيران، وهو ما انعكس بوضوح في مواقف المالكي المعلنة. تركيا وجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه، خاصة وأن الدول المحيطة بسورية، لا مصلحة لها بتدخل مباشر، وتركيا غير راغبة في صراع مباشر أو غير مباشر مع سورية، وروسيا وإيران في آن معاً.
أضف إلى ذلك، فإن الموقف الإسرائيلي، لا يزال يرقب الأحداث في سورية، بعين فاحصة، وعين متخوفة من سقوط النظام، وقدوم "الإسلاميين" إلى سدة الحكم. من الواضح أنه لا مصلحة مباشرة لإسرائيل في سقوط الحكم، وتكمن مصلحتها في استمرار النزيف الداخلي، لدرجة ضعف الأطراف كافة ووصولها إلى حافة الانهيار.
ما يحدث في سورية الآن، هو استنزاف ونزيف، وعلى الصعد كافة، الاقتصادية والأمنية والمدنية، وبات المسرح مؤهلاً لاندلاع "حرب أهلية" جدية.
تأتي مهمة أنان، الراهنة في سياق الإبقاء على النزيف الداخلي واستمراره، دون محاولة حسمه، أو الدعوة مباشرة إلى حسمه.
بات الجميع يدرك، استحالة لجوء النظام السوري، إلى حل سياسي، أو الابتعاد عن العنف والحسم العسكري، كما بات واضحاً للجميع، بأن الأمور وصلت إلى درجة اللاعودة؛ بالنسبة للمعارضة.
أنان يدعو إلى حل سلمي، تتوقف فيه السلطة عن استخدام العنف والحسم العسكري، وتطلب من المعارضة التفاوض مع السلطة؟! هذا أمر مستحيل الحدوث، وبالتالي يمكن القول: إن مهمة أنان، تأتي في سياق إطالة أمد الصراع الداخلي في سورية، وصولاً إلى حد إنهاك القوى كافة، وتحييد الموقف السوري في الشرق الأوسط!