غزة في الاتجاه المعاكس

rajab_Abu_Sirriyeh_inside

تكاد غزة أن تكون أشبه بـ "خرابة" هذه الأيام، ذلك أن أزمة الوقود المتفاقمة عطلت حسب بعض المختصين من المراقبين نحو 80% من الحياة العامة، ورغم أن مشكلة الكهرباء، وهي واحدة من أبرز المشاكل التي واجهت غزة منذ أن انفصل القطاع رسمياً عن السلطة الفلسطينية المركزية، إلا أنه من الصعب تفسير تفاقم الأزمة، واستمرارها منذ نحو شهر، خارج سياق فشل آخر محاولات الوحدة الوطنية، والتي وقفت في طريقها حماس/ غزة على نحو خاص وبشكل صريح بعد إعلان الدوحة.

وبعد إعلان الدوحة بدت خلافات حماس الداخلية واضحة تماماً، وبدت حماس / غزة رغم التباينات الداخلية بين أجنحتها، على طرف مقابل حماس / الخارج التي بدت أقرب إلى الاصطفاف مع قيادة الإخوان بمن فيهم الشيخ يوسف القرضاوي وحليفهم الإقليمي القوي، نقصد بذلك أمير قطر، الذي رعى شخصياً إعلان الدوحة، بما يعني أن حماس / غزة قد تحدت مركز القوة الإقليمي الذي يتشكل منذ وقت وبات قوة إقليمية مؤثرة جداً بعد انطلاق الربيع العربي، لذا بحثت حماس / غزة عن حليف إقليمي فلم تجد غير طهران، وهكذا يمكن القول، إن حماس عموماً، والتي كانت قد تحالفت تكتيكياً كما أعلن سابقاً مع محور إيران / سورية، قد باتت تتنازع داخلياً على الوجهة السياسية وعلى وجهة التحالف الإقليمي.

ولا يمكن الاكتفاء هذه المرة بالقول إن ما يحدث داخل حماس من تباينات هو في سياق تبادل الأدوار، أو تكاملها، أو حتى أنه ضمن سياق الاجتهاد، ذلك أن ما يعزز هذه التباينات وجود مصالح متباينة بين أجنحتها، وحتى بين قياداتها في الداخل والخارج، ولا يمكن قراءة تصريحات عضو مكتبها السياسي المقرب جداً من رئيس الحركة عزت الرشق بانعدام الشرعيات الفلسطينية بما في ذلك السلطة التشريعية وحكومة غزة، إلا على أنه دليل فاقع على وجود "صراع" داخلي حقيقي، يقترب من مستوى الصراع الحاد.

وإذا كانت حماس / الخارج قد كانت وعلى مدار سنوات مضت عنوان ارتباط حماس بما سمي محور الممانعة الإيراني / السوري، فإن براغماتية قيادته، كذلك دخول إخوان مصر مع قطر دائرة التأثير الإقليمي، كان واضحاً على تغيير وجهة الحركة باتجاه دخول هذا الحلف الجديد والقوي، لذا فقد دفعت تلك القيادة الأمور وفي مناسبتين باتجاه تحقيق المصالحة الداخلية، الأولى بتوقيع اتفاق القاهرة في أيار الماضي والثانية بتوقيع إعلان الدوحة، ولابد من لحظ أن المناسبتين جاءتا بعد انطلاق الربيع العربي، الذي زاد من فاعلية ودور قطر / الإخوان في المنطقة، وقد تتابعت بعد ذلك محاولة نقل حماس إلى حاضنة هذا المحور، بالابتعاد التدريجي عن محور طهران / دمشق.

قطع الطريق على هذه النقلة لحماس التي قادها خالد مشعل، جاء من خلال تدخل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بدعوة الشيخ إسماعيل هنية لطهران، ومن ثم باستقبال رجل حماس الآخر القوي في غزة الشيخ محمود الزهار، وهكذا بات يمكن القول إن حماس التي كانت تمثل قوة الإخوان ومركز ثقلهم الإقليمي قبل الربيع العربي، باتت تتنازعها وجهتان واحدة تفضل العودة إلى الجذور الإخوانية، والثانية تفضل البقاء ضمن محور الممانعة الإقليمي، لكن المفارقة هي في تغير عنوان كل وجهة، وهنا يمكن القول عن تبديل في الأدوار وليس القول عن تبادلها أو تكاملها، ذلك أن الشقة الداخلية تبدو واضحة، رغم قيام شخصية وسطية _ نقصد الأخ موسى أبو مرزوق _ بدور وسطي، ربما بدافع الخشية من انقسام داخل الحركة أو بهدف التخفيف من غلواء ارتماء حماس / غزة وهي رأس مال الحركة في الواقع في أحضان طهران!

إذاً تمتنع الآن حماس / غزة عن السير في وجهة محور قطر / إخوان مصر، التي تركز على الملف السوري، والتي رغم وجود التنافس التقليدي بين قطر والسعودية وقد ظهر ذلك واضحاً خلال السنوات الماضية وحتى انه ظهر في انتخابات مجلس الشعب المصري، حيث قابلت السعودية تحالف قطر مع الإخوان بتحالف مع السلفيين، إلا أن الدولتين الخليجيتين متحالفتان ومتفقتان تماماً فيما يخص الملف السوري، بما يوحد من الموقف الخليجي تجاه هذا الملف، وقد تشجعت الدولتان في الاستمرار بمتابعة هذا الملف بعد ما حققه مجلس التعاون من نجاح في الملف اليمني، وخير دليل على ذلك تجاوز قطر والأمارات ما حدث من خلاف حول ما أثاره موقف الشيخ القرضاوي تجاه الإمارات بعد أن قامت بإبعاد مواطنين سوريين مقيمين على أرضها بعد تظاهرهم خارج أبواب قنصلية بلادهم في دبي.

يمكن القول إذاً إن غزة باتت غير قادرة إلى حد ما على تجاوز ثقافة التمرد، فبعد أن نجحت في التمرد على رئاسة السلطة، ها هي في طريقها للتمرد على المسار السياسي العام لمحور قطر / الإخوان، ويمكن تفسير صمت حماس والإخوان على الاغتيالات الإسرائيلية قبل نحو أسبوعين والتي طالت قيادة المقاومة الشعبية وكوادر الجهاد الإسلامي، في هذا السياق، ثم محاولة إبراز صوت الجهاد السياسي في غزة من خلال كلمة رمضان شلح ومسيرة مجموعاته العسكرية بعد التوصل إلى تهدئة بين إسرائيل والجهاد على انه كان رسالة لحماس في غزة، بوجود بدائل لدى طهران، إن سارت حماس في غزة على طريق قيادة حماس والإخوان وقطر، ولا شك أن ظهور التوتر بين سورية وقطر والشيخ القرضاوي، يؤجج هذه الحالة، كذلك مجيء قيادات وكوادر التنظيمات الفلسطينية المتشددة من دمشق إلى غزة ليعزز قاعدة الممانعة فيها وليحفظ وجهة غزة نحو دمشق وطهران، لذا فإن التنازع حول وجهة حماس، التي وحتى اللحظة تبدو غير قادرة بمجموعها على حسمها، بين خيار التوافق الداخلي، ودفع الحالة الفلسطينية بعد المصالحة على طريق الاعتدال السياسي الذي تسير فيه قطر والإخوان وتركيا وهو خيار يمكن أن يضم أيضاً رئاسة السلطة الفلسطينية، أو على الأقل يمكن التوصل معها على خلفيته إلى حل وسط، وخيار الاعتدال السياسي وإنجاز الصفقة الإقليمية مع الغرب، وبين خيار استمرار المراهنة على محور طهران / دمشق، هنا تبدو المصالح الشخصية وتضاد المصالح بين أجنحة حماس، تدفع بها ربما لأول مرة إلى أن تفقد شيئاً من وحدتها الداخلية، وربما بات المواطن في غزة تحديداً الذي كان أكثر من عانى من النتائج السلبية للانقسام ولسلطة حماس في غزة التي تبدو دائماً أنها تفضل سياسة المناكفة، بحاجة إلى أن يعرف الحقيقة كاملة من خلال برنامج "الاتجاه المعاكس" حيث يتناظر واحد من حماس غزة مع آخر من حماس الخارج، أو حتى بين واحد من حماس وآخر من سلطة فتح لتوضيح ما حدث بعد إعلان الدوحة. وفي كل الأحوال ربما كانت حماس / غزة الآن في طريقها "للتمرد" على سياسة الإخوان وحليفهم القطري، بعد أن نجح تمردها حتى اللحظة على سلطة أبو مازن، الخوف كله من أن تنشأ حاجة لأكثر من طرف لتدخل إسرائيلي لكسر الحالة في غزة، على طريق تسهيل مهمة إسقاط النظام السوري!