هل إسرائيل آمن مكان لليهود؟

بيروت: أثارت العملية التي استهدفت مدرسة يهودية في مدينة تولوز الفرنسية من جديد سجالا في الحلبة اليهودية حول ما إذا كانت إسرائيل هي المكان الأكثر أمنا لليهود في العالم.

ومن المؤكد أن هذا السجال يخدم في الغالب المزاعم الصهيونية حول أن إسرائيل هي ملاذ اليهود وحصنهم في العالم وأنها «وطنهم القومي» الذي لا بد من أن يعودوا إليه. وكان هذا السجال قد احتدم في العقود الأخيرة، خصوصا بعدما بات لليهود مكانة مميزة في الحلبة الأميركية، وبعدما اختفت تقريباً مظاهر «اللاسامية» في أوروبا. كما أن هذا السجال عاد مؤخراً إثر التحريض الإسرائيلي الفظ لأميركا على مهاجمة إيران، واعتقاد كثر أن لهذا التحريض ثمناً سيدفعه في النهاية يهود أميركا أنفسهم، على الأقل جراء ارتفاع أسعار النفط.

وحاولت الصحافة الإسرائيلية إثارة المخاوف لدى اليهود في فرنسا وفي العالم الغربي عموماً عبر إشارات إلى أن عملية تولوز أحيت المخاوف القديمة. وقالت صحيفة «يديعوت احرونوت» إن مدراء المدرسة اليهودية «أوتسار هتوراه» في تولوز جالوا بين التلاميذ يسألون من بينهم من اليهود «ليخرجوا من الفصول وللانضمام إلى تلاميذ يهود آخرين تم جمعهم في مكان مغلق وآمن».

وروت الصحيفة أن الجالية اليهودية في تولوز خائفة، وأن الأهالي يخشون من إرسال أطفالهم إلى المدرسة اليهودية، بل إن عائلات يهودية فضلت، حتى بعد انتهاء الحادث، عدم إرسال أبنائها إلى مدارس أخرى غير يهودية وإبقائهم في المنازل. وقالت إن هذه المشاعر اشتدت بعد الحادث لكنها قائمة منذ سنوات حيث لا يشعر اليهود في تولوز بالأمان. وأنه نتيجة هذا الشعور يفكر كثير من يهود المدينة «بالهجرة» إلى إسرائيل. ونقلت الصحيفة عن أحد اليهود هناك قوله «لا أريد مواصلة قضاء حياتي في فرنسا. في تموز سأهاجر إلى إسرائيل. فمكان اليهود هو دولة إسرائيل».

وعلى الرغم من أن ذريعة إنشاء إسرائيل كانت توفير ملجأ آمن لليهود في العالم، فإن كثيراً من الإسرائيليين لا يشعرون بالراحة لا لاستمرار سريان «قانون العودة» الذي يمنح اليهود في العالم الجنسية الإسرائيلية فور وصولهم إليها في إطار «هجرة»، ولا لتبديد موارد إسرائيل على حماية أو ادّعاء حماية اليهود في العالم. وثمة بينهم من يعتقد بأن إسرائيل لم تعد بحاجة إلى مساعدات خارجية، لا من يهود العالم ولا حتى من الدول العظمى، وأن عليها التوجه نحو بناء دولة عصرية لمصلحة رفاه «سكانها» ومن دون ادّعاءات كبيرة.

وفي كل الأحوال يبقى السجال قائماً حول أبعاد كثيرة لعملية «الهجرة»، ولكن سجالا لا يقل أهمية يدور حول مدى الاعتقاد بأن إسرائيل أكثر أماناً لليهود من دول أخرى. والأمان هنا لا يعني فقط الأمن، وإنما القدرة على ممارسة الحريات كيهودي أيضاً. ومن المؤكد أن اليهود من غير الأرثوذكس، وهم الغالبية الساحقة من يهود أميركا من التيارين الإصلاحي والمحافظ، يشعرون بأن الدولة الإسرائيلية تمارس التمييز ضدهم لمصلحة التيار الأرثوذكسي. ويرى بعضهم في ذلك ليس فقط تمييزاً مذهبياً بل نوعاً من الإكراه الديني، خصوصا لجهة ممارسة العبادات أو إنشاء الكنس أو حتى الاعتراف بالتهويد إذا تم على يد حاخام إصلاحي أو محافظ.

وهكذا في ظل التصعيد الذي كان في غزة والذي وضع ما لا يقل عن مليون يهودي في الملاجئ، وفي ظل احتمالات نشوب حرب إقليمية بسبب التهديدات الإسرائيلية لإيران ولبنان وسوريا، ثمة تساؤل مشروع عن مدى أمن إسرائيل لليهود. وتزداد حدة هذا التساؤل عندما يفهم البعض بأن جزءاً من التهديدات لليهود في الخارج إنما تنبع أصلا من عواقب الأفعال الإسرائيلية في المنطقة والعالم. وهذا بالطبع يسري على ما يشاع أحيانا من محاولات لفـصائل فلسطينية أو «حــزب الله» أو حتـى لإيران، لاستهداف منشآت يهودية في العالم رداً على جرائم إسرائيل.

وفي سجال على صفحات «يديعوت» حول هذه المسألة، رأى موشي رونين أن «هامان الشرير يقيم في بلاد فارس ولا يفكر إلا في تدمير وقتل وإبادة اليهود، وهو يخطط لتركيب قنبلة نووية، ولكننا نملك في مواجهته قوة دفاعية. لدينا صواريخ، لدينا جيش، لدينا قدرة ردع. وحتى اليوم فإنه في محاولاته للمساس باليهود لم ينجح سوى في بلاد الشتات. في عمليتين هائلتين ضد أهداف يهودية في الأرجنتين وليس في حدود دولة إسرائيل».

ويعترف الكاتب بأن عشرات آلاف الصواريخ «موجهة نحونا. ولكن أين في العالم مكان يخلو من المخاطر؟ في لوس أنجلس احتمال هزة أرضية في كل لحظة. في اليابان يخشون من تسونامي. في ميامي يخافون من العواصف. في نيويورك وشيكاغو يخافون من السطو الذي قد يتحول إلى قتل. في الولايات المتحدة احتمال أن تموت في حادث طرق أكبر بكثير مما هو في إسرائيل». ويخلص إلى أن المخاطر في إسرائيل ليست أكبر إحصائياً من أي مكان آخر.

ويرد حانوخ دوام بالقول إن كل من يحاول أن يؤسس مبرراته «للهجرة» إلى إسرائيل على أساس أمني مخطئ. ويكرر الحديث عن التصعيد مع قطاع غزة والحروب التي تقع بشكل متواتر في الشمال والجنوب مرة كل بضعة أعوام. ويخلص إلى أنه على صعيد الأمن الشخصي للفرد اليهودي من الخطأ الاعتقاد بأن إسرائيل المكان الأكثر أمناً، خصوصاً في ظل الحديث عن احتمالات الحرب مع إيران. ويشير إلى أن «إسرائيل هي المكان الأكثر أمناً لليهود كشعب ولكن إسرائيل ليست أكثر أمنــاً لليهودي من نيــويورك أو نيوزيلندا أو بلجيــكا. وكل من يفكر بهذا الشكل سيــجد نفسه يحزم حقــائبه ليرحل إلى العيش بين جاليات يهودية أهدأ وأكثر غنى من تلك الموجودة في إسرائيل».

السفير