الفيّاضيّة تتقشف في غزة

adli_sadikkk

مرة أخرى، أصبح لازماً التنويه الى منحى مالي جديد، يمد إصبعه في جيوب الفقراء، تحت عنوان التقشف، ويُقرره سلام فياض رئيس الحكومة. هذا المنحى، يتخذ النمط المحاسبي الأصم، لكي يخصم من راتب الموظف، مفردات أو علاوات، متعيّنة للمواصلات وللإشراف. وجه الصمم هنا، أن منطق المحاسبة لا يسمع قولاً يُذكّر بأن استنكاف العاملين عن العمل، انتقالاً ودواماً وإشرافاً، كان قراراً فيّاضياً غايته تجويف الجهاز الحكومي، لكي تتسلمه "حماس" خاوياً فتنهار بضربة معلّم. أيامها كان الظن بأن السلطة ستربح سياساً، مقابل التزامها بحقوق موظفيها. ومن لم يلب نداء الاستنكاف، جرى على الفور قطع دابر راتبه، ومن طردته "حماس" من الكادرات المتقدمة، لكي تأتي ببديله الموالي، انقطع دابر راتبه، قطعاً مزدوجاً أو متربلاً، أي مثنى وثُلاث. وكل من ورد اسمه، في رسالة كيدية، بعث بها انتهازي بلا ضمير؛ فقد راتبه، لأن الفيّاضيّة تتلقف الكيديات، فإن جاءت الأدلة بنقيضها، باتت إعادة الرواتب لمستحقيها، عملية عسيرة، تضيق بها المحاسبة والموازنة. فأي ظلم هذا الذي يقع على موظفي قطاع غزة؟!

ولو سلمنا جدلاً، بوجاهة الفصل بين الاستنكاف عن العمل بتعليمات السلطة، وإجراء خصم علاوات المواصلات والإشراف، على قاعدة محاسبية تكّرس فقط ما يُصرف في الواقع، وتركز على حقيقة أن الموظفين لا ينتقلون ولا يُشرفون؛ فلماذا لا تُحسب للموظفين (طالما أن رواتبهم الأساسية قائمة لتؤكد على أنهم ما زالوا موظفين) علاواتهم الدورية، وبدلات الزواج والأطفال، والترقيات الواجبة بأقل المعايير، على اعتبار أنهم موظفين؟

لنسلّم جدلاً، أن ليس من حق الموظف، أن يتقاضى علاوتي الانتقال والإشراف، بينما هو لا ينتقل ولا يُشرف، فلماذا لا يكون الخصم على الموظف، من راتبه المتجمد الجنوبي، ولا يكون من حقه المتجمد الفيّاضي؟!

السؤال الأخير، لنقابة الموظفين: أين موقفها العادل والشجاع، من حقوق منتسبيها من موظفي قطاع غزة؟!

إن الفيّاضيّة تتقشف في غزة، ويسجل التاريخ عليها، أنها رأت الميدان، في هذه الفترة من حياة شعبنا، خالياً لأم احديدان، فلا مجلس تشريعي يراقب ويستجوب ويحاسب، ولا مرجعية قانونية تفصل في المسائل، ولا ذهنية فاعلة، تتعاطى مع الواقع، فتدفع سريعاً الى الخروج من حال التجلط، فتبتر الفاسد والمُحال الى القضاء، وتضمن الرُشد والمنطق، عند التقشف، لتحريك الدورة الدموية، بالأخذ من السمين وإغاثة الضعيف، ووقف الهدر في الصرف في الوجوه الباذخة، والحفاظ على حقوق مستوري الحال، ومن ثم التأكيد ـ وهذا هو الأهم ـ أن السلطة ملتزمة بمنتسبيها مالياً واجتماعياً وسياسياً!