كلمة واحدة تنهي الانقسام

rajab_Abu_Sirriyeh_inside

بعد يومين فقط من عقد مؤتمر نقابة الصحافيين في رام الله، انعقد مؤتمر آخر في غزة، وانتخب هيئة إدارية، وبذلك يكون 'الصحافيون' الفلسطينيون قد شكلوا اتحادين منفصلين، واحداً مقره في رام الله والآخر في غزة، وبدل أن يكون الصحافيون الفلسطينيون أداة وحدة، صاروا أداة انقسام، ورغم الفارق النسبي أو الشكلي إلا أن الجوهر يكاد يكون واحداً، فرغم أن اتحاد رام الله ضم أعضاء في هيئته القيادية من غزة، وزعم أنه أشرك أعضاء هيئة عامة في التصويت والاقتراع عبر استخدام وسائل الاتصال الحديثة، الأمر الذي لا ينطبق على اتحاد غزة، الذي لم يهتم حتى بإشراك أحد من الضفة الغربية لا في الاقتراع ولا في الهيئة القيادية، إلا أن واقع الحال يقول إن الحالة الفلسطينية ومن خلال الصورة الصحافية منها تبدو في حالة تآكل مستمر، رغم البطولة التي يجترحها الأسرى من خلال مواجهتهم بأمعاء خاوية الجلاد الإسرائيلي (لابد من الانحناء بالمناسبة لهناء شلبي وهي تدق جدران الموت لتحيا فلسطين) ورغم بوادر الحراك الكوني من أجل فلسطين، حيث تتداعى في الأثناء نحو 700 مؤسسة دولية من 64 دولة تحت شعار الشعوب تريد تحرير فلسطين والقدس، بمناسبة يوم الأرض بعد عشرة أيام من اليوم.

الحدث المتعلق بإنشاء إطار للصحافيين في غزة موازٍ للإطار في رام الله، ليس حدثاً عارضاً أو قليل الأهمية، وخطورته لا تكمن فقط فيما يمثله الصحافيون من مكانة مفترضة لدى الشارع، ولكن ورغم أن كتلة الصحافي الفلسطيني، التابعة لحركة حماس موجودة منذ سنوات طويلة، لتنظم أو توحد جهود صحافيي 'حماس' داخل رابطة الصحافيين، ورغم مرور أكثر من خمس سنوات على الانقسام، ورغم أن حركة حماس أقامت في غزة _ فقط _ رابطتي الكتاب والفنانين، إلا أنها في الحالتين أعلنت عن روابط، وهذا من حيث المفهوم، على الأقل لا يرتقي إلى مستوى إعلان اتحاد موازٍ لاتحاد الكتاب أو اتحاد الفنانين، حيث يمكن تشكيل روابط محلية على أساس جغرافي أو قطاعي / اختصاصي. إذاً هي المرة الأولى التي تتجرأ فيها 'حماس' على إعلان إطار موازٍ بشكل صريح.

طبعاً كانت الساحة الفلسطينية تشهد خلال أحداث مشابهة من الانقسام أو الانشقاق، انشقاقات في الاتحادات الشعبية موازية للانقسامات السياسية. فقد حدث وما زال بالمناسبة انشقاق في اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين، بعد الانشقاق الذي حدث في 'فتح' عام 1983، وما زالت حتى اللحظة جماعة أبو موسى تدعي تمثيل الكتاب والصحافيين الفلسطينيين من خلال 'لجنة العمل النقابي في دمشق'، وكانت الاتحادات المنقسمة كل منها يدعي تمثيل فلسطين، لذا فإنها كانت تحضر المؤتمرات الإقليمية وفق طبيعة تلك المؤتمرات، وكلنا يذكر كيف أن السوري علي عقلة عرسان لعب دوراً في تعميق أزمة اتحاد الكتاب من خلال موقعه في اتحاد الكتاب العرب، المهم أن لا رابطتي الكتاب والفنانين ولا اتحاد صحافيي 'حماس' في غزة يدعي أنه يمثل كتاب وفناني وحتى صحافيي فلسطين تباعاً، لذا فقد يتجنب بذلك الدخول في معركة مع الكتاب والفنانين ومن ثم الصحافيين الفلسطينيين، الذين بأغلبيتهم لا ينضوون تحت لوائه، وكذلك الدخول في معركة تمثيل مع الاتحادات المناظرة العربية والدولية، لكنه وهذا أمر خطير للغاية يقدم نفسه باعتباره يمثل صحافيي غزة!

في انتظار نجاح المراهنة إذاً على كسر الحصار عن غزة، ولم ينته الانقسام بعد، بما يعني وضع كيان غزة على خارطة الإقليم السياسية، تنتظر هذه الأطر النقابية دورها في التظهير الرسمي، وبالتبادل هي تعزز حالة غزة المنفصلة والمستقلة، في الوقت الذي تستمد منها وجودها وحضورها ودورها!

هذا الأمر في الحقيقة يعيد قراءة الحالة الفلسطينية داخل الوطن المحرر _ المحتل إلى مبتدئها أو بلغة السياسيين إلى المربع الأول، وإعادة التفكير في كيفية إنهاء الانقسام أو تجاوزه _ على الأقل _ فبعد أن دار الفلسطينيون ولفوا طوال 5 سنوات في لقاءات وجولات بحثاً عن مصالحة مستحيلة في ظل الانقسام، أو بحثاً عن إنهاء للانقسام في ظل عدم وجود مصالحة، أيهما أولاً كما كانت قصة البيضة والدجاجة أيهما أولاً، بحيث يمكن القول إن حل الموضوع لا يمكن أن يكون بكل هذا التعقيد، لو كانت هناك نوايا أو إخلاص للمصلحة الوطنية، وان الأمر يمكن حله بواحد من خيارين: إما الوحدة الفورية من خلال إطلاق كلمة واحدة، بتقديرنا يملكها رجل واحد هو الشيخ إسماعيل هنية، وذلك على اعتبار أن رفضه رسمياً وباسم حركة حماس في حزيران عام 2007 قرار الرئيس عباس بإقالته كرئيس لحكومة الوحدة الوطنية الحادية عشرة، الناجمة عن اتفاق مكة، بعد فض الاشتباك ميدانياً باستخدام القوة العسكرية قبل ذلك بأيام من قبل قوة الحركة المسلحة، جعل من غزة إقليماً متمرداً،على السلطة المركزية ولا يمكن القول إن وجود حكومتين عنوان للانقسام، ذلك أن حكومة فياض ملتزمة برئاسة السلطة فيما حكومة غزة غير ملتزمة بها.

بتقديرنا، لو أعلنت حكومة غزة التزامها برئاسة السلطة كعنوان وقبلت بالرئيس لانتهى الانقسام من الناحية القانونية والرسمية فوراً، ثم بعد ذلك بيد 'حماس' أن تجبر الرئيس على تقديم الحكومة _ أية حكومة يتم تشكيلها لنيل ثقة التشريعي الذي تمتلك فيه الأغلبية البرلمانية، كما يفعل إخوان مصر مثلاً الآن بتوجههم إلى حجب الثقة عن حكومة الجنزوري، وإلا فإن الواقع يقول إن غزة والضفة تكرران تجربة باكستان، الدولة التي أقيمت بعد خروج الاستعمار البريطاني من بلاد الهند والسند، إلى جوار الهند، وكانت الهند _ كما هو حال إسرائيل تفصل جغرافياً بين جناحي الدولة الباكستانية الوليدة، وشجعت كما فعلت إسرائيل بالضبط على تعميق الخلاف بين شطري باكستان _ الشرقية والغربية، فكان أن انفصلت الشرقية لاحقاً وسميت بنغلاديش!

هنا لابد من مراجعة المصطلح نفسه، وان كان الأصوب لنا أن نقول انقساماً أم انفصالاً، فربما كان الانقسام يعني أن ينقسم الواحد إلى نصفين فيما الانفصال يعني أن يخرج جزء من كل، هناك نماذج جنوب السودان، باكستان قبل انفصال بنغلاديش، اليمن قبل أن يتوحد، تشيكوسلوفاكيا قبل أن تنقسم إلى دولتين بشكل ديمقراطي حر.

يمكن الهروب من هذا الواقع، وهذا هو الخيار الثاني، من خلال صياغة وحدة فدرالية، بين 'الكيانين' خيار أقل سوءاً من الانفصال، وطبعاً أقل من التوقع أو الطموح بالوحدة التامة.

استمرار الحال هكذا، يعني بأن مجتمعاً 'فلسطينيا' يتشكل في غزة، بشكل منفصل عن المجتمع الفلسطيني الذي يتشكل في الضفة، ومنطق الحصول على كل شيء أو لا شيء ربما ينطوي على مغامرة وخيمة النتائج، لكن لابد من فعل شيء ما وعلى عجل، وإلا فإن حالة التآكل ستستمر، وربما نكون بعد سنوات قليلة أمام خيارات أسوأ بكثير مما هو قائم الآن، خاصة وان حالة التفتت والتآكل يبدو أنها ستكون سمة غالبة على المنطقة العربية بأسرها بعد فتح مجتمعاتها من الداخل، في وقت تبدو فيه الشعوب العربية وكأنها قد تخلفت كثيراً عن العصر الحديث، وعن الشعوب التي أقامت دولتها الحديثة قبل قرون طويلة وباتت تعيش ما بعد الحداثة وما بعد الدولة القومية الواحدة أو الموحدة!