الهنود صامتون وحذرون

adli_sadikkk

من وراء المشهد السياسي الهندي، وفي خلفية اللغة المنتقاة بعناية، التي تعتمدها الحكومة، حيال التوترات في منطقتنا؛ يتحدث ديبلوماسي هندي مخضرم، هو كانوال سيبال، فينطق بالمسكوت عنه ـ ربما ـ من المواقف الرسمية. يسأل الرجل نفسه ثم يجُيب بما يعلم: كيف يمكن أن تتعاطى حكومتنا مع إيران وإسرائيل والسعودية، فلا تقف مع طرف ضد الآخر، ولا تحابي طرفاً على حساب الآخر، دون أن تفقد انسجام موقفها وتحيد تماماً عن قيم تراثها السياسي؟!

يجيب كانوال: تعتقد دلهي، أن التوتر في غربي آسيا، له خطان، واحد بين إسرائيل وإيران بسبب المشروع النووي للأخيرة، وآخر يتبدى في جانب منه، كصراع بالوكالة، بين إيران والسعودية في سوريا، إذ تساند الأولى النظام هناك، للحفاظ على هيمنة الشيعة في المشرق، وحفاظاً كذلك على مكتسباتها في العراق ولبنان فضلاً عن سوريا، بينما المملكة العربية السعودية تدعم الأغلبية السُنية لنصرتها. وهذه "المنافسة" هي ـ في شرحه ـ ما تقيّد خيارات الهند!

يستذكر الديبلوماسي الهندي، شواهد مما يسميه "رشاقة" Nimble الديبلوماسية الهندية و"ذكائها". فمن جهة أرسلت الحكومة وزير خارجيتها كريشنا الى إسرائيل، لتثبيت وضعية التعاون التقني والاقتصادي، وأرسلت بالتزامن، وزير الدفاع أنتوني، الى السعودية لتطمينها بأن زيارة رئيس الوزراء المزمعة لاحقاً هذا العام، الى طهران؛ ليس فيها ما يزعج السعودية. أما الزيارة التكميلية لوزير الخارجية الى رام الله بعد إسرائيل، فقوامها التأكيد على التزام حكومة الهند، بموقفها السياسي التقليدي المساند للحقوق الفلسطينية. فهو موقف موصول بمضامين التراث السياسي لحزب المؤتمر، منذ غاندي الى مانموهان سينغ.

وللانسجام قدر الإمكان، مع القيم الرفيعة في حلبة السياسة، تتبدى "حكمة" الحكومة ـ حسب قوله ـ في تأييد قرار مجلس الأمن ضد النظام في سوريا، إذ هي لم تخش الغضب الإيراني عندما صوتت على هذا النحو، ومضت في تحقيقاتها الجدية بخصوص التفجير الذي استهدف ديبلوماسياً إسرائيلياً واتُهمت فيه إيران. كذلك لم تخش العقوبات الأمريكية، لرفضها وقف استيراد النفط من إيران، بعد المهلة المعلنة وهي 28 حزيران (يونيو) المقبل!

الهنود يتوخون مصالحهم. بدأوا في شراء التقنية العسكرية من إسرائيل، بالطائرة التي من دون طيار The drone وبدأوا هذه السنة في صناعة طائرة مشابهة أو أفضل منها، ويحدوهم الأمل في أن ينخفض منحنى التعاون، تحت ثقل موقفهم السياسي.

يقول كانوال سيبال: لم تكتف أمريكا، بعدم الاختيار بينها وبين خصمها باكستان والوقوف على الحياد، وإنما ساعدت أسلام آباد بطرق شتى، فلماذا تريدنا الكف عن علاقتنا المحدودة مع إيران؟! وهل أيران والمملكة العربية السعودية، كانا مضطريْن للاختيار بيننا وبين باكستان؟ فإذا كان الجواب نعم، بحكم أن البلدين أقرب تاريخياً الى باكستان، فإننا من موقف التعادل، نرفض تصريحات الإيرانيين بالنسبة للمحرقة اليهودية، مثلما نرفض الإسلام السياسي العربي. لذا يتوجب علينا أن نحافظ على العلاقة البترولية مع إيران، على الرغم من أمريكا وأوروبا والعرب!

في خضم هذه التوترات، تعتمد الديبلوماسية الهندية، أسلوباً هادئاً وحذراً، غايته الحفاظ على المصالح العليا للبلاد. فهل يتوخى العرب مصالحهم على كل صعيد، فيحسبون ويحاذرون، وبخاصة مع الأمريكيين؟!