إسرائيل تدفع نحو الصدام بين 'حماس' و'الجهاد' ؟
بشكل لافت هذه المرة كانت الصحافة الإسرائيلية تغطي المعركة الأخيرة بين فصائل المقاومة وفي مقدمتها حركة الجهاد الإسلامي وبين إسرائيل باختلاف عن المرات السابقة، فهذا هو التصعيد الثالث في الشهور الستة الأخيرة الذي تتصدر حركة الجهاد بالتصدي له وتتمكن الحركة ومعها فصائل المقاومة هذه المرة لجان المقاومة وكتائب أبو علي مصطفى من شل الحياة في مدن بعيدة عن غزة مثل أسدود وبئر السبع، إذ أصبح أي تصعيد إسرائيلي يقابل برد قادر على إحداث خلل وإدخال مليون إسرائيلي في الملاجئ وتعطيل الحياة والتهديد لما هو أكبر من ذلك، وهذه المرة كان الاتفاق الذي أنهى التصعيد مختلفا ولصالح حركة الجهاد.
في كل مرة تتحرش إسرائيل بقطاع غزة ومن اللافت أن قدرات الجهاد في الرد على إسرائيل تتطور وتدخل مناطق إسرائيلية جديدة في دائرة الاستهداف هذه المرة جرى الحديث عن 'جان يفنه' و'روحوبوت' ونشر موقع تيك دبكا الاستخباري أنه وصلت للدوائر الأمنية في إسرائيل معلومات تأكدت بالرصد أن حركة الجهاد بدأت بالتحضير لضرب تل أبيب بصواريخ فجر.
إذن حركة الجهاد تخلق واقعا مقلقا بالنسبة لإسرائيل والتجربة الإسرائيلية مع الفلسطينيين طويلة، إذ إن التصفيات والعدوان المستمر لا يضعف المقاومة وهي تزيد من قدراتها وتراكم تجربتها بما يمكنها أن تتصدى أفضل في كل معركة من سابقتها، والتجربة تقول أن الصراع الفلسطيني الداخلي هو أقوى بما لا يقاس من الترسانة الإسرائيلية ولديها نموذج الانقسام بعد الصراع بين حركتي فتح وحماس.
الموقف الذي كانت به حركة حماس لا تحسد عليه ارتباطا بواقع معقد حين سارعت بإجراء اتصالات باتجاه تهدئة الوضع، وهو موقف مسؤول بحسابات الربح والخسارة حين كانت الحركة على الحياد العسكري وإن شكل ذلك حرجاً حتى للكثير من عناصر 'حماس' ذوي العقول الحارة، فلو اندفع الجهاز العسكري لحركة حماس كان يمكن أن يجر عدواناً أكبر على قطاع غزة، وهذا ليس مطلوباً، بالإضافة إلى أن ذلك يعطي لإسرائيل مبرراً لضرب كل مؤسسات الحكومة كما عدوان 2008، وكان يكفي لجزء من المقاومة أن تتصدى لهذا العدوان، وكان مطلوباً البحث عن مخرج بين حالة الاندفاع وبين التراجع، وكان للدور المصري سواء المفاوض أو الموقف المتماسك للبرلمان أن يصل لتلك النتيجة التي كانت في صالح الفلسطيني بشكل عام وليست فقط للجهاد الإسلامي ومن معه.
استغلت إسرائيل حيادية حركة حماس واتزانها لتصب النار على زيت الخلافات الفلسطينية التي تقف متأهبة بانتظار كلمة أحيانا لتبدأ صحافتها حملة غير مسبوقة لتحريضها على الجهاد الإسلامي، ففي اليوم الأخير من جولة التصعيد كتب ألكس فيشمان في صحيفة يديعوت إن ' قتال الجهاد الإسلامي وحده يعرض 'حماس' كأداة فارغة في نظر الشارع، كعميل تقريبا للسلطة الخائنة في رام الله، أما 'الجهاد' فتعد حامية للشعب وتأخذ على عاتقها الدور التقليدي لـ 'حماس' ويؤمن المصريون بأنه مع مزيد من الإقناع ومزيد من المرونة الإسرائيلية ستصحو 'حماس' في غضون فترة زمنية قصيرة وتجد الطريق إلى لجم الجهاد'.
أما في صحيفة هآرتس فقد كتب أفي ساخروف أن 'الهدف شبه العلني لـ 'الجهاد الإسلامي' هو تحدي 'حماس' وتعزيز مكانتها في المنافسة حيال حكم غزة، فقد تحولت 'الجهاد' من حليف مخلص لـ 'حماس' إلى معارضة كشفت عورتها على الملأ بعد أن أوقفت القتال ضد إسرائيل ...في 'الجهاد' يأملون بأن الجمهور الغزي الذي أيد 'حماس' في بداية طريقها سيجتاز الطريق ويؤيدها' وفي اليوم التالي لما ذكر سابقا 14\3 كانت افتتاحيات الصحف تحرض بشكل غير مسبوق للوقيعة بين الحركتين ربما تمهيدا لمعركة بينهما، وخاصة أن إسرائيل تدرك أن هناك متابعة فلسطينية دائمة لكل ما يصدر عن الإعلام الإسرائيلي من قبل الإعلام الفلسطيني والفصائل ومراكز الأبحاث والكتاب، وتدرك أن ما تنشره صحفها سيجد رواجا بين الفلسطينيين، فقد عنونت هآرتس في افتتاحيتها 'قادة الجهاد نجحوا في أن يمسوا بصورة 'حماس' أما صحيفة يديعوت فكتبت تحت عنوان كبير بارز 'حماس الخاسر الأكبر' أما معاريف فكانت الأشد وضوحا في التحريض المكشوف حين كتبت عنوانا كبيرا 'المعركة التالية: حماس ضد الجهاد' قائلة من الآن فصاعدا حين يسود الهدوء بين غزة وإسرائيل فإن الحرب تنتقل إلى غزة إلى الخصومة بين الفصائل ولا سيما المنظمتين الكبيرتين فيها حماس والجهاد'.
هذه العينات من تغطيات الصحافة الإسرائيلية هي جزء من حملة تمثل خطورة شديدة على الاستقرار الفلسطيني الذي ما زال يعيش تبعات ومآسي الصراع المسلح بين حركتي فتح وحماس، وقد حاولت إسرائيل خلال الانتفاضة استعمال كل وسائل القمع والقوة الحديدية للقضاء على المقاومة ولم تنجح، فعملت على تأجيج الصراع الداخلي بين الفصائل في قطاع غزة فانتهت بمعركة دموية بينهم أدت لتحقيق الهدوء لمدن الجنوب في إسرائيل والتي عاشت وكابوس الصواريخ والتشويش اليومي للحياة ما قبل الانقسام والنموذج مدينة سديروت والتي فشلت إسرائيل في إيجاد حل لها.
فلو انتقل الصراع بين الحركتين الإسلاميتين بعد أن تكون إسرائيل قد مهدت له، هذا يعني إما أن تتمكن حركة حماس بتسرعها كما حدث مع جماعة السلفيين في مسجد ابن تيمية برفح أن تتمكن هذه المرة من القضاء على قوة 'الجهاد الإسلامي' والتي فشلت إسرائيل من القضاء على هذه القوة التي يصل تهديدها إلى تل أبيب، أو أن تتمكن حركة الجهاد من مقاومة حماس وهزيمتها وتجد حركة الجهاد نفسها مضطرة لحكم غزة كما حدث مع الأولى في صراعها مع 'فتح' وبحكم المسؤولية تبدأ حركة الجهاد بتثبيت حكمها بالقطاع بالبحث عن تهدئات وتستنزف في إدارة حملة أزمات قطاع غزة التي تبدأ بالمعابر والبطالة والكهرباء واستقرار الأمن بعيداً عن إسرائيل.
أي من السيناريوهين المطروحين حكماً هو حلم أغلب الظن لن تتنازل عنه إسرائيل وخصوصا بعد تجربة الصراع الداخلي عام 2007 وهي تتكئ على أداء فصائلي يمارس كأولوية عن الوطني العام، وتتكئ أكثر على قدرتها على تحريض الفلسطينيين والتلاعب بهم، وحتى الانتهاء من كتابة هذا المقال لم تنته المهلة التي حددتها إسرائيل لـ 'حماس' بوقف الصواريخ أي دفعها لبداية الصدام مع القوى المسلحة، فالأمر جد خطير.. على الفلسطيني الحذر هذه المرة.