الدين أم الحكم؟

7afeth_barghouty

وسط معمعان المذابح في سوريا انسحب بعض قادة المعارضة من المجلس الوطني السوري أحدهم كمال اللبواني الذي احتج على احتكار جماعة الاخوان المسلمين المال والمساعدات والسلاح الذي يصل للمعارضة ويستخدمون ذلك لاستقطاب قاعدة شعبية لهم.

هذا السيناريو نفسه وقع في تونس ومصر من قبل، حيث ركبت التيارات الاسلاموية تيار الثورة متأخرة واستحوذت على خراجها. ويبدو ان ذلك يتكرر في سوريا رغم ان مفجري الثورات أو الانتفاضات لم يكونوا سوى أناس غير مؤطرين حزبياً أو عقائدياً. فالهدف الأساس هو الوصول الى السلطة لاحقاً. حيث انخرط اخوان سوريا في الثورة متأخرين مثلهم مثل اخوان مصر واخوان تونس، وحتى في الثورة الفلسطينية نأى الاخوان المسلمون بأنفسهم عنها لعقود وتوجهوا للجهاد الاميركي في افغانستان ضد السوفيات ، وعندما تأطروا فيما يسمى بالمجمع الاسلامي خرجوا لمواجهة منظمة التحرير في الجامعات ويمكن الرجوع الى اشرطة التلفزيون الاسرائيلي في حينه لنرى بعض قادتهم يصرحون ان هدفهم مواجهة العلمانيين اي منظمة التحرير وليس الاحتلال، وعندما اندلعت الانتفاضة الأولى كانت جامعة النجاح مغلقة بسبب الاشتباكات بين طلبة التيار الاخواني وطلبة منظمة التحرير .

وحتى بعد اندلاع الانتفاضة كنت في الشهر الأول في مخيم المغازي وفي النصيرات وغزة وكان هناك تذمر شعبي من ان اتباع المجمع الاسلامي لا يشاركون في التظاهرات، بل يعودون الى منازلهم بعد صلاة الجمعة، حيث ينقسم المصلون: فريق يخرج بعد الصلاة في تظاهرة ضد الاحتلال وآخر يعود الى منازله.

فالهدف أساساً ليس خدمة قضية وطنية، بل حزبية ضيقة، وكلنا لاحظنا في الانتفاضة الثانية ان حركة حماس لم تشارك في المواجهات سلمياً أو عسكرياً الا بعد شهور من انطلاقتها. فيما كانت في السابق اي قبل الانتفاضة تنفذ عمليات عسكرية بلا سبب، اللهم الا احباط أي تقدم في المفاوضات آنذاك.

يقول ابن خلدون ان الفتن التي تتخفى وراء قناع الدين تجارة رائجة، ويضيف: وأغلب المنتحلين لمثل هذا تجدهم يطلبون بهذه الدعوة رئاسة امتلأت بها جوانحهم وعجزوا عن التوصل اليها بشيء من أسبابها فيحسبون ان هذا من الأسباب البالغة بهم الى ما يؤملونه.

فالهدف هنا هو الوصول الى السلطة عن طريق قناع الدين وهذا ليس فيه خدمة للدين وأي حاكم أو حزب يدعي انه يمثل الدين فإنه يثقل ببشريته الخطاءة على الدين لأن كل سلوك يأتيه يحسب من الآخرين على الدين مثلما قال اردوغان . ولهذا يجب التمييز بين الأحزاب والشخصيات وسلوكياتها وبين الدين، فهي أحزاب سياسية بحتة تستخدم الدين لأنه أقرب الطرق للاستحواذ على قلوب وعقول العامة، وبالتالي السلطة. وكذلك يجب التمييز بين قيادات هذه الأحزاب وأنصارها لأن الأنصار لا علاقة لهم بممارسات هذه القيادات.

ففي حركة الاخوان المسلمين أناس يخافون ربهم ويحسبون حساباً للآخرة ولا ينظرون الى من يخالفهم الرأي انه صابئ أو كافر ولا يستبيحون دم مسلم أو ماله لمجرد الخلاف في الرأي، ولا تجد بينهم من يفتي بسفك دم أخيه لأن دم الانسان غير المسلم غير مباح الا اذا قاتل المسلمين. وقد لاحظنا كيف ان التيارات الاسلامية في تونس ومصر بدأت تتغير لمواجهة استحقاقات المرحلة الجديدة لأن التنظير يختلف عند التطبيق وقد حاولت التأثير على حركة حماس في هذا الاتجاه لكن وضع حماس ما زال ملتبساً داخلياً ولم ينضج بعد، فإن كانت قبلهم استحوذت على زمام السلطة في غزة الا انها لم تمارس الحكم على أرض الواقع، بل تصرفت كحاكم عسكري لا واجبات لديه تجاه من يحكم، وها نحن نراها تصاب بصعقة كهربائية عندما حاولت لأول مرة حل أزمة كهرباء غزة لأنها في السابق لم تلمس قضايا المجتمع تعليماً وصحة وكهرباء وماء لأن هذه الواجبات تقوم بها السلطة الوطنية ووكالة الغوث. وهي فقط تجبي المكوس لنفسها بما فيها فواتير كهرباء لم تدفع أثمانها.فهل نقول ان ما يسمى بالثورات تحولت الى فتن!