النهار اللبنانية 14.1
غسان بن جدو
لست محايداً
لم أكن على سجيتي المعهودة حين قابلت غسان بن جدو، وكنت أحاول طوال فترة اللقاء أن أبتعد عن السياسة وكواليسها في الحديث، وأوجّه الإهتمام الى شخصه وسيرته المهنية وبالأخص الى قناة "الميادين" الفضائية التي يعتزم إطلاقها قريباً لكن غسان بن جدو، الإعلامي السياسي، لا يفصل السياسة عن واقعه ومهنته ويومياته.
عمل بن جدو في بداياته في صحيفة "الحياة" وإذاعة الـ "بي بي سي"، ثم في قناة "الجزيرة" الإخبارية متنقلاً ما بين تونس، الجزائر وايران، حتى حطّ رحاله في لبنان ليستقر في بيروت، مديراً لمكتب "الجزيرة" فيها. لكن حلمه بـ"الوحدة العربية"، وبإمكان نقل "الواقع كما هو"، انتقل بغسان بن جدو اليوم الى مرحلة جديدة، فهو رئيس مجلس إدارة قناة "الميادين" ومدير برامج القناة التي ستنضم مطلع الربيع الى سماء فضائيات عالمنا العربي، ومن هذه المرحلة تحديداً، انطلق الحديث معه، هو الذي قال "لا يزال المشهد الإعلامي العربي، رغم الغزارة اللافتة في إطلاق القنوات العربية، يتسع لفضائيات أخرى تعانق نبض الناس وهمومهم وقضاياهم، لا سيما في ظلّ الحراك الجماهيري غير المسبوق في الميادين العربية". فهل تعانق قناة "الميادين" نبض الناس وهمومهم؟ وكيف؟
فعلاً، يقول بن جدو، المشهد الإعلامي لا يزال يتسع لفضائيات، وخصوصاً الإخبارية منها، فنحن أمام انقلاب مشهد إستراتيجي في عالمنا العربي سيلامس تغييرات في جوهرنا، وهذا الكلام ليست فيه مبالغة. دعينا نتواعد بعد سنوات من اليوم، ونرى التغييرات الجذرية التي ستحصل، هذا التغيير الثقافي بدأت إشاراته، وعلينا أن نكون مستعدين له... وبالعودة الى السؤال، نعم، "الميادين" ستعانق نبض الناس من خلال تلمّس همومهم، فنحن حريصون على أن ننزل الى الميدان، لن نذهب الى السلطان، بل الى الفقراء، الى المحرومين، الى الفنانين، الى الطلاب، الى كل فئات المجتمع. اهتمامنا الإقتصادي في القناة لن يكون الأرقام، بل الإقتصاد الإجتماعي والسياسي، سنواكب مسيرة الجماهير العربية نحو الإصلاح الحقيقي، سنتلمس خطوات المواطن العربي الذي يتوق الى الحرية، هذا المواطن العربي الذي مهما بلغت نقمته لن يقبل بالتدخل الأجنبي، حتى لو حاول البعض تزيين صورة هذا التدخل...
¶ هل تخشى على الديموقراطية اليوم رغم تساقط الأنظمة الديكتاتورية؟
الديموقراطية هي حاجة وحق للمواطن حرمهما على مدى عقود طويلة، ونحن في "الميادين" أعلنا في البند الأول لسياساتنا أننا ندعم الحريات العامة، لكننا نخشى تفتت النسيج الثقافي الحضاري المتنوّع. خشيتي أن يذهب البعض الى الإقتتال الطائفي، والى محاولات إقصاء الأقليات التي هي جزء من نسيجنا الثقافي، بإسم الدين. إذا، الثورات أسقطت الأنظمة الدكتاتورية لكنها لم تستطع أن تقدم نموذجاً يحتذى به، فهذه كارثة. من حق المواطن أن يطالب بالتغيير، ونحن ضد الديكتاتوريات، نموذج بائس حصل في العراق، أتمنى أن لا يحصل في ليبيا، أتمنى أن لا يتحوّل الحراك السلمي تفجيرات واعمالا إرهابية، وهذا أمر لا نقبله.
¶ ألا تزال تؤمن بالوحدة العربية؟
الوحدة العربية مثال نبتغيه، وأنا مؤمن بضرورة تحقيقه، وهي لا تعني إلغاء الكيانات الموجودة. الوحدة العربية التي أؤمن بها، هي الوحدة الستراتيجية السياسية، هي المحافظة على العناصر الثقافية المشتركة، والأقليات الموجودة في العالم العربي هي جزء لا يتجزأ من الثقافة العربية، أنا لا أقبل ان نفتت الأقطار العربية، وأن نجزئها اكثر مما هي مجزأة، تحقيق الوحدة العربية هدف كبير علينا أن نسعى اليه.
¶ بالعودة اليك شخصياً ومهنياً، من معارض تونسي منفي الى مراسل، انتقلت من المكتوب الى المرئي، ما التحديات التي واجهتها؟
- شخصياً، غادرت تونس ولا شيء في جعبتي. استطعت الخروج بمساعدة بعض الأصدقاء، معدماً ومن دون أيّ رصيد مالي يسمح لي بأن استمر، لكني محظوظ في الحياة، وأنا أؤمن بان العناية الالهية احتضنتني، فسرعان ما وجدت عملاً، ودخلت الإعلام من دون واسطة. مهنياً، انطلقت من الصحافة المكتوبة، وفي فترة من حياتي، كنت مراسلاً لصحيفة "الحياة"، ومراسل الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، ومراسلاً لقناة "الجزيرة" في وقت واحد. في الأخير، كان عليّ أن اختار، وانا اخترت التلفزيون، وبرأيي ان التلفزيون هو الأكثر تاثيراً، و"الجزيرة" كانت تشكل ولا تزال، حالة ثورية إعلامية، كانت جريئة وشجاعة، وقد وجدت فيها ذاتي، وبالحديث عن التحديات التي واجهتني، هي تحديات طبيعية تواجه ايّ صحافي يريد أن ينقل الواقع كما هو.
¶ كيف يمكن صحافيا مسيّسا وصاحب رأي مثلك أن يفرد مساحة لمن يعارضه في رأيه؟
- شعارنا في القناة، "الواقع كما هو"، ونحن عندما نتحدث عن الواقع كما هو، نتحدث عن المعلومة، التي تتصرف بها الوسيلة الإعلامية وتقدمها مجتزأة أحياناً. أما نحن، فسننقل الواقع كما هو، ونفسح في المجال للتحليل والمناقشة. نحن لدينا سياسات، من يطلب مني أن أكون محايداً، اقول له بأن كلامه لا معنى له. هل من الممكن ان أكون محايداً بين التطرف والإنفتاح على الآخر؟ أن أكون محايداً بين الإستقلال والإستبداد؟ لا يمكن أن أكون محايداً بين المقاومة والعدوّ الصهيوني، هل يطلب مني أن أكون محايداً في ظلّ هذه الموجة التكفيرية وإقصاء الآخر؟ هل يطلب مني أن أكون محايداً بين حرية المرأة واضطهادها، أو في وجه الحملات التي تصيب المسيحيين؟ نحن وسيلة إعلام، وسنستقبل الرأي المخالف لأننا سنكون مروحة واسعة تقدم المعلومات المختلفة، لكن نحن عندنا سياسات، ونحن سننحاز الى هذه السياسات.
¶ أخبرنا عن ورشة العمل اليوم في القناة، هل من خيبات أمل في فترة التحضير؟ ومتى الإنطلاقة الموعودة؟
- السباق مع الوقت يقهرني، لأن إمكاناتنا المادية متوسطة، ونحن مضطرون الى مواكبة الحوادث في المرحلة المقبلة لأن ثمة الكثير من الكلام السياسي الذي يجب أن يقال. نحن في مرحلة التأسيس، وهي مرحلة مخاض لأننا نؤسس من عدم، غير أني وعدت الجمهور في المؤتمر الصحافي لإعلان انطلاقة القناة، بأننا سننطلق مطلع العام، وأعتبر أن مطلع العام هو في المرحلة الممتدة بين 1/1/12 و31/3/12، وانا لا أزال عند وعدي.
¶ علمنا أن الزميل زاهي وهبي سيكون له برنامج ثقافي في القناة، فهل يكون في القناة حيز ثقافي واسع؟
- المسيّس غير المثقف مشروع دكتاتور، والمثقف غير المسيس مشروع مرتزق ينتظر من يمنحه هدية. أنا لطالما كانت الثقافة أساسية لديّ، و"حوار مفتوح"، برنامجي على قناة "الجزيرة"، كان يحتضن الثقافة. وجود زاهي وهبي مكسب لنا في "الميادين"، والعنوان الثقافي سيكون حاضراً بقوة في القناة، وبطريقة مميزة عن القنوات الإخبارية الأخرى.
¶ ما المادة المفضلة لديك للقراءة؟
- الشعر، أنا أعانق الشعر دائماً، وتجدين معي دائماً وخصوصاً في السفر، المصحف وديوان شعر.
¶ من تفضل من الشعراء؟
- أقرأ للكثيرين، لكني أحب فعلاً شعر تميم البرغوثي وأقدّره، فهو برأيي شاعر كبير رغم صغر سنه، وأقرأ لشعراء آخرين مثل أبو القاسم الشابي، نزار قباني، وغيرهما.
¶ والفن الذي تفضله؟
- أعشق السينما والمسرح والغناء. أحب الغناء الطربي، والغناء الملتزم. من المطربين، أحب وديع الصافي، فيروز، ماجدة الرومي، وأيضاً مروان خوري، وفضل شاكر، ووائل كفوري، وأجد لدى عبير نعمة صوتاً طربياً جميلاً، وفي الفن الملتزم، افضّل جوليا بطرس.
¶ أهمّ الأحداث في حياتك المهنية؟
- رحلة غزة لا يمكن أن أنساها ربما لأنها كانت محفوفة بأخطار عديدة، وكان يمكن أن نلقى فيها حتفنا أكثر من مرة. وتغطية حرب تموز ومقابلة السيد حسن نصرالله وخصوصا في توقيتها. أما في الصحافة المكتوبة، فسأخبرك أمراً لم يسبق أن أخبرته، كنت مراسلاً لصحيفة "الحياة" في طهران في فترة الإنتخابات الرئاسية عام 97، آنذاك انفردت، عالميا، بالجزم بأن الرئيس خاتمي سيكون هو الرئيس المقبل، كان الجميع يراهن بأنه لا يمكن أن ينجح الإصلاحيون في الإنتخابات، ولشدة إصراري حينها، أرسل الرئيس الفرنسي آنذاك، جاك شيراك، مستشاره ليلتقيني قبل موعد الإنتخابات بثلاثة أسابيع ليأخذ مني معطيات، لازمني على مدى أربعة أيام، رفع بعدها تقريراً الى الرئيس الفرنسي، وأؤكد لك بأن السلطات الإيرانية ستفاجأ بهذا الخبر الآن.
¶ برنامجك على قناة "الميادين"، هل يكون مثل "حوار مفتوح"؟
- لن يكون مثل "حوار مفتوح"، كانت تلك تجربة ناجحة وانتهت. برنامجي الجديد لن يكون حوارياً بالمعنى الكلاسيكي، بل سيتضمن رأياً مني أو تعليقا، ويطعّم بحوارات.
فضائيات عدة، تنوعت ما بين إخبارية ومنوعات، ولكل منها طموحات كبيرة عند انطلاقها، يبقى أن النجاح تحدده القدرة على الإستمرار، فهل تكون "الميادين" قادرة على الإستمرار على أرض الواقع، كما هو؟
نيكول كاماتو