إسرائيل في خدمة المستوطنين

القدس: كشف تقرير جديد أن إسرائيل أعلنت منذ العام 1979 عن أكثر من 900 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية على أنها "أراضي دولة" خدمة لأهداف المستوطنين.

وقال مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" في تقرير له إنه ومنذ صدور قرار المحكمة العليا الاسرائيلية المسمى "ألون موريه" عام 1979، الذي حظر الاستيلاء على أراضٍ فلسطينية بملكية خصوصية من أجل إقامة مستوطنات مدنية، تأسس المشروع الاستيطاني على استخدام أراضي الدولة. إلا أنّ الأراضي التي سُجلت في السجل العقاري (الطابو) على أنها أراضي دولة قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 كانت محدودة وبلغت مساحتها 527,000 دونم، أي ما يقارب 9% من مساحة الضفة الغربية، لا تشمل القدس الشرقية.

وتركزت غالبية هذه الأراضي في غور الأردن، في حين لم تشتمل "منصة الجبل" (سلسلة الجبال بين القدس والخليل) تقريبًا، على أراضي دولة".

وأضاف: "في أعقاب قرار الحكم في قضية "ألون موريه" ومن أجل السّماح ببناء المستوطنات في جميع أرجاء الضفة الغربية، بما في ذلك "منصة الجبل"، أعلنت إسرائيل عن أكثر من 900,000 دونما على أنها أراضي دولة".

وقد قامت "بتسيلم" ومؤسّسات حقوق إنسان أخرى، وعلى مرّ السّنين، بانتقاد سياسة إسرائيل في إشهار الأراضي، نتيجة للشوائب الإجرائية التي أدّت إلى الحيلولة دون تقديم الفلسطينيين لاعتراضات فعّالة لإشهار الأراضي، وكذلك نتيجة لكون هذه الإشارات مُعدّة لدفع غاية غير قانونية وهي إقامة المستوطنات، المحظورة في القوانين الدولية كونها تخلق تغييرًا دائمًا في الأراضي الخاضعة للاحتلال.

وينعكس التجديد الوارد في التقرير الحالي في أنه يتناول سياسة الإشهار ويفحصها في مرآة قوانين الأراضي المحلية، وعلى رأسها قانون الأراضي العثماني الصادر عام 1858، وفي مركز هذا التقرير تحليل مفصّل لقانون الأراضي وقوانين الأراضي العثمانية والانتدابية والأردنية التي غيّرته وأدخلت عليه التعديلات، ولقرارات الحكم الصادرة في فترة الانتداب. ويؤدّي هذا التحليل إلى الاستنتاج بأنّ سياسة الإشهار الإسرائيلية ليست قانونية كونها قامت بتصنيف أراض على أنها أراضي دولة، رغم أنّ هذه الأراضي تُعتبر وفق القوانين المحلية مُلكًا فلسطينيًا خصوصيًا.

المشاع الميري

وقال التقرير: "كانت غالبية عمليات الإشهار التي نفذتها إسرائيل تتعلق بأراضٍ من فئة المَشاع (الميري). ويتعلق هذا المصطلح بغالبية الأراضي الموجودة في قطر 2.5 كلم حول المنطقة المبنية في القرية، كما كانت عام 1858، سواءً أكانت مستصلحة أم لا. كما جرت عمليات إشهار على أراضي رعي من فئة "متروكة".

ويشير تقرير "تحت غطاء الشرعية" إلى أنّ سياسة الإشهار تناقض قوانين الأراضي المحلية عبر ثلاثة أبعاد أساسية:

أولاً: جودة الاستصلاح الزراعي التي تمنح حقوقَ ملكية

تنصّ المادة 78 من قانون الأراضي على أنّ المزارع الذي استصلح أرض "ميري" لفترة عشرة أعوام من دون معارضة من طرف الدولة فإنه يحصل على حقوق ملكية عليها، إلا أنّ القانون لا يُعرّف جودة وطبيعة هذا الاستصلاح الذي يؤدي إلى منح حقوق الملكية على أراضي "الميري".

أن لهذا السؤال إسقاطات هامة كون منطقة "منصّة الجبل" في الضفة الغربية تتميز بأراض صخرية لا يمكن استصلاح إلا قسم صغير منها، وقد قرّرت المحكمة العليا في فترة الانتداب أنّ استصلاح "الجيوب المثمرة" المنتشرة في المناطق الصّخرية التابعة لأراضي "الميري" تمنح المزارع حقوقَ ملكية على القسيمة بأكملها. وقد طُبق هذا الشّرع في الضفة الغربية في سنوات الحكم الأردني أيضًا.

واتبعت إسرائيل في إطار سياسة الإشهار تفسيرًا مختلفًا وضيقًا جدًا، ينصّ على أنّ من يدعي حقوق ملكية على قسيمة صخرية عليه أن يثبت أنه استصلح ما لا يقلّ عن 50% من مساحتها الكلية، وإذا كانت مساحة مجمل الجيوب المستصلحة أقلّ من 50% فإنه يجري الإعلان عن القسيمة بأكملها على أنها أراضي دولة وسيخسر المزارع جميع حقوقه عليها. وبناءً على هذه الوسيلة، أشهرت إسرائيل أراضيَ على أنها ممتلكات حكومية، رغم أنها أراض فلسطينية خصوصية وفق القوانين المحلية.

ثانياً: مطلب استصلاح الأراضي المتواصل

قرّرت المحكمة العليا في فترة الانتداب أنّ المزارع الذي استصلح أراضي "ميري" خلال عشرة أعوام، إلا أنه توقف عن استصلاحها بعد هذه الفترة، لا يخسر حقوق الملكية التي اكتسبها على قطعة الأرض، حتى لو لم يسجّلها على اسمه في السجل العقاري (الطابو). وقد عُمل بهذا التفسير في الضفة الغربية أثناء الحكم الأردنيّ أيضًا.

وتبنّت إسرائيل في إطار سياسة الإشهار تفسيرًا معكوسًا، حيث قالت إنّ الأرض "الميري" التي اُستصلحت لعشرة أعوام وأكثر، إلا أنّ استصلاحها توقف في مرحلة معينة من دون تسجيلها تُعدّ ممتلكات حكومية ويمكن الإعلان عنها على أنها أراضي دولة. وبهذه الطريقة أشهرت إسرائيل مناطق واسعة في الضفة الغربية كأراضي دولة، رغم أنّ القوانين المحلية تنصّ على أنها أراض فلسطينية بملكية خصوصية.

ثالثاً: تجاهل حقوق المجموعات السّكانية على أراض الرّعي

ينصّ قانون الأراضي على أنّ الأراضي "المتروكة" هي الأراضي العامة التي تنقسم إلى نوعيْن

: أ) أراض تخدم الجمهور بأكمله (الطرقات، مثلاً).

ب) أراض مُخصصة لصالح مجموعة سكنية عينية مثل أراضي الرعي التي تستخدمها قرية معينة لسنوات طويلة. وقضت المحكمة العليا في فترة الانتداب بأنّ تأسيس وإثبات سكان قرية ما لحقوقهم الجمعية على أرض معينة لا يستوجب سوى أن يثبت سكان هذه القرية استخدامهم لهذه الأرض لسنوات طويلة لغرض الرّعي.

وتجاهلت إسرائيل في عمليات إشهار أراضي الدولة التي بادرت إليها، الحقوقَ الجمعية الخاصة بالمجموعات السّكنية الفلسطينية على أراضي الرّعي. بل على العكس؛ فقد استندت عمليات الإشهار في حالات عديدة على الادعاء بأنّ الأرض لا تُستخدم للاستصلاح الزراعي بل للرعي فقط.

وقد أشار استطلاع حكومي جرى عام 1976 إلى أنّ ثمة 3.6 ملايين دونم من أراضي الرعي في الضفة الغربية، مليونا دونم من بينها غير صالحة للاستصلاح الزراعي (قرابة 35% من مساحة الضفة الغربية برمّتها)، ولا شكّ في أنّ قسمًا كبيرًا من هذه الأراضي هي أراضٍ "متروكة" مُخصّصة، تتبع لمجموعات سكنية فلسطينية محلية، ولذلك فإنّ إشهار هذه الأراضي على أنها أراضي دولة وتسخيرها للمستوطنات، يناقضان تعليمات القوانين المحلية.

وإلى جانب النقاش النظري حول بنود وتعليمات قوانين الأراضي المحلية، فإنّ التقرير الحالي يشمل مسحًا مقارنًا أُجري في منطقة رام الله، وهو يفحص حجم ونطاق أراضي الدولة في المناطق التي سُجلت في السجل العقاري (الطابو) في فترة الحكم الأردنيّ، من جهة، ويفحص حجم الأراضي التي أشهرتها إسرائيل كأراضي دولة في المناطق التي تُسجل في السجل العقاري (الطابو) من جهة أخرى.

ويكشف المسح عن فوارق دراماتيكية بين نسبة المساحة المعرفة كممتلكات حكومية وبين نسبة المناطق المصنفة كأراضي دولة من طرف إسرائيل،" وقال"فمثلا، استكملت السلطات الأردنية ترتيبات الأراضي (التسجيل الطابو) في نصف أراضي قرية عين قينية، حيث لم يُسجل في إطار هذه الإجراءات أيّ دونم كممتلكات حكومية. في مقابل ذلك، أعلنت إسرائيل عن قرابة 34% من الأراضي في قرية الجانية المجاورة، التي لم يجرِ فيها التسجيل في السجل العقاري (الطابو)، على أنها ممتلكات حكومية وأقامت عليها مستوطنتي "دوليف" و"طلمون".

وفي قرية كفر عقب جنوب رام الله، سُجلت في إطار ترتيبات الأراضي 3,240 دونمًا في السجل العقاري (الطابو)، ولم يُعرف كأرض دولة سوى 2.4 دونمات منها (0.1% من المنطقة المسجلة). في مقابل ذلك، عرّفت إسرائيل 1,415 دونمًا (63% من المنطقة غير المسجلة) من أراضي كفر عقب (قرابة 2,250 دونمًا) كممتلكات حكومية، وذلك في ضمن عمليات الإشهار التي نفذتها إسرائيل، وقد اُستخدمت هذه الأراضي لإقامة مستوطنة "كوخاف يعقوب".

وقال "بتسيلم": "هذه المعطيات ومعطيات أخرى مشمولة في التقرير تشير إلى أنّ نتائج عمليات الإشهار التي تقوم بها إسرائيل عن أراضي دولة، تختلف اختلافًا جوهريًا عن نتائج ترتيبات الأراضي التي جرت في الضفة الغربية في فترة الانتداب تحت السّلطة الأردنية. وتُدعّم هذه الحقيقة الاستنتاج بأنّ قسمًا كبيرًا من المساحات التي أُعلنت كأراضي دولة هي ممتلكات فلسطينية خصوصية، سُرقت من أصحابها الشرعيين بواسطة مناورات قضائية وعبر انتهاك القوانين المحلية والدولية على السّواء".

أ ف ب