المعنى الفعلي لحصة اسرائيل من جوائز نوبل العلمية

تكاد إسرائيل تخرج عن طورها فرحاً بتقاسم اثنين من الإسرائيليين السابقين جائزة "نوبل" في الكيمياء مع عالم ثالث. وتحاول إسرائيل طوال الوقت إشاعة أجواء بأنها، خلافاً لكل دول العالم، تتميز بسمات خاصة تعود أساساً إلى فرادة العقل اليهودي. وقد دفعت هذه المحاولة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى ابتلاع لسانه عندما تبين أن ادعاءه باحتلال إسرائيل المكانة الأولى في العالم في حملة جوائز "نوبل" مقارنة بعدد السكان. وقد تبين أن إسرائيل بعيدة عن هذه المرتبة السامية، ولكنها الآن اقتربت أكثر.

ووفقاً لما نشرته صحيف السفير اللبنانية فإن هذا الاقتراب لم يأخذ بالحسبان واقع سعي الدولة العبرية للالتصاق بأي يهودي ناجح ومحاولة إثبات صلته بإسرائيل. وبرغم أن أحد الفائزين بجائزة "نوبل" في الكيمياء هاجر من إسرائيل منذ ما يزيد عن 50 عاماً، إلا أن هذا لم يمنع التقرب منه وإعلانه فائزاً إسرائيلياً. وكذا الحال مع فائز آخر بجائزة الكيمياء، والذي ترك إسرائيل إلى الولايات المتحدة منذ عشرات السنين. والأدهى أن إسرائيل تعاملت مع فوز هؤلاء وآخرين بجوائز "نوبل" وكأنه تكريم لها، مشيرة إلى أنهم يمثلون "سلاحها الكيميائي" الأمضى برغم أن كل واحد من الفائزين يحمل قصصاً عن مصاعب واجهها في إسرائيل، ووجد حلاً لها في دول غربية.

فالبروفيسور آرييه ورشيل (كيمياء)، الذي ولد في كيبوتس يعيش حالياً في لوس أنجليس منذ 51 عاماً، وقد ترك إسرائيل بعدما رفض الكيبوتس تمويل دراسته في "التخنيون"، ورفض "التخنيون" تعيينه في وظيفة دائمة بعد تخرجه. كما أن البروفيسور مايكل ليفيت (كيمياء) هاجر من جنوب أفريقيا إلى إسرائيل، ولم يطل الإقامة فيها، ووصل إلى أميركا للعمل في ظروف أفضل للعلماء. أما البروفيسور مارتن كاربلوس (كيمياء)، فهو يهودي نمساوي، تقربت منه إسرائيل لأن ابنته تعيش فيها، وبرغم أنه من العلماء الذين يقاطعون الدولة العبرية.
ويؤمن عدد من المعلقين الإسرائيليين بأن فوز علماء من أصول إسرائيلية بجوائز سامية بعد تركهم الدولة العبرية ينطوي على مفارقة فاضحة. فمن جهة يمكن الفرح لأن لهم بشكل من الأشكال صلة أو ارتباط سابق بإسرائيل، ولكن من الجهة الثانية يظهر أنه ليس في إسرائيل متسع لمثل هذا الفوز. وكل من يرغب بالتقدم وتحقيق قدراته ينبغي عليه أن يجد مكاناً في مؤسسات بحثية هامة في أوروبا أو أميركا. وفي المقابل، هناك من يدعي أن إسرائيل لا يمكنها أن توفر فرصاً لكل العقول النابغة فيها، ولذلك فإن هجرة هذه العقول أضاف إلى سمعة إسرائيل ولم يحرمها من إنجازات هذه العقول.

وبديهي أن السجال حول هذه المسألة في إسرائيل والخارج لا يقتصر فقط على الجانب العلمي ونسبة المأثرة إلى إسرائيل أو الخارج، وإنما إلى بعد لا يقل أهمية وهو الفكرة الصهيونية. فإسرائيل موضع هجرة ذات طبيعة أيديولوجية صهيونية ترى هدفها الأسمى في تجميع اليهود في فلسطين. لذلك، فإن كل هجرة معاكسة تتسم في نظر هذه الأيديولوجيا بمعالم الخيانة.
وفي الأسابيع الأخيرة، أثيرت في الدولة العبرية وعلى أوسع نطاق نقاشات حادة حول هجرة الشباب الواعد إلى الدول الغربية ليس فقط لتحقيق الذات علمياً، وإنما أيضاً للعيش الكريم. وأشارت تحقيقات صحافية إلى الأعداد المتزايدة من الشباب الإسرائيلي التي تهاجر إلى دول غربية بحثاً عن مستوى عيش أفضل من ذاك القائم في إسرائيل. وشارك ساسة ومعلقون وخبراء اقتصاديون واجتماعيون في النقاشات حول هذه المسألة المشحونة من وجهة نظر صهيونية.

والواقع أن النقاش لم يقتصر فقط على هذه الجوانب بل تعداها ليطال وجهة التعليم في إسرائيل وركائز الهوية اليهودية وحتى الجوانب السياسية. وذهبت افتتاحية "هآرتس" مثلاً إلى حد اعتبار هجرة الشباب دليل على فقدان الأمل بمستقبل أفضل في ظل انسداد آفاق العملية السلمية تحت حكم نتنياهو. ومعروف أن حكومات إسرائيل المتعاقبة، وخصوصاً اليمينية، بذلت جهوداً كبيرة في سبيل وقف سيل هجرة الشباب ومحاولة استعادتهم من الخارج، وخصوصاً أصحاب "الأدمغة الكبيرة". ولكن غالبية هذه الجهود ذهبت سدى أو لم تحقق الغايات المرجوة منها، ولم يتوقف سيل الهجرة.

وقد أظهرت دراسة نشرت في الأسبوع الماضي أن غالبية الدارسين لشهادة الدكتوراه، الذين يذهبون إلى الخارج لا يعودون إلى إسرائيل بعد الانكشاف على فرص الأبحاث والتمويل الكبير في الدول الغربية. ولا يتوقف الأمر عند الشباب بل يتخطاه إلى المحاضرين في الجامعات، التي يتركها إلى الخارج تقريباً واحد من كل أربعة. وتبين دراسة معهد "طواب" أنه مقابل كل مئة محاضر جامعي في إسرائيل، هناك 29 محاضراً إسرائيلياً في جامعات أميركية. وتبين الدراسة أن إسرائيل تحتل المكانة الأولى بين دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD) في هجرة العقول.

وعموماً فإن المستوى العلمي للجامعات الإسرائيلية يتراجع بالتدريج وهو ما حدا بساسة وعلماء للقول بأن الفوز بجوائز "نوبل" هو تكريم للمستوى الجامعي في الماضي وليس الآن. فقد تزايدت كثيراً أعداد الطلاب في الكليات بدلاً من الجامعات، كما أن التركيز يتجه ليس نحو العلوم وإنما نحو الآداب وإدارة الأعمال.