استكبار إخواني
لم يكن رد فعل 'حماس' على الجرائم الإسرائيلية المفاجئة، وغير المبررة بل وحتى غير المفهومة خلال الأيام الماضية، كما يجب أو على المستوى المطلوب، أو المتوقع، لا على المستوى الميداني ولا على المستوى السياسي. فرغم أن إسرائيل ودون سابق إنذار قامت باغتيال الأمين العام الثالث للمقاومة الشعبية، وأتبعت عملية الاغتيال باغتيالات متتابعة طالت كوادر ميدانيين لـ'المقاومة' وللجهاد الإسلامي، وحيث إن الرد، يكون دائماً بإطلاق الصواريخ، إلا أنه لوحظ هذه المرة أن فصائل المقاومة من غير 'المقاومة الشعبية' و'الجهاد' لم تشارك فعلياً وبشكل ملحوظ في عملية الرد، وكأن الحرب هي بين إسرائيل من جهة و'الجهاد' و'المقاومة الشعبية' من جهة ثانية.
من الواضح أن إسرائيل سعت إلى تحقيق أهداف ميدانية وسياسية من وراء التصعيد الأخير، ومن الواضح أن طبيعة التهدئة هي غير ما هو معلن، وان هناك تفاهماً ما أو غض نظر من الطرفين ما دامت حدود الاحتكاك خارج إطار تحطيم معادلة 'التوازن' القائمة، لكن في الحقيقة لا يمكن تجاهل ما أبدته 'حماس' من ضبط لرد فعلها وان كانت لم تقم بما يريده الإسرائيليون من زرع بذور الفتنة الداخلية بين مجموعات المقاومة بعد أن زرعوها بين الفصائل السياسية، حيث لم تقم السلطة في غزة لا بعرقلة إطلاق صواريخ 'المقاومة الشعبية' و'الجهاد' ولا حتى بالطلب منهما عدم الرد للحفاظ على التهدئة!
لكن الأسئلة تبدو محيرة، خاصة وانه إذا كانت 'حماس' لم تشأ الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل، وهي تعلم أن أحداً لن يحمي غزة عسكرياً، كما كان الحال عام 2008 / 2009 بالتصعيد السياسي أو مشاركة قواتها في الرد الميداني، فانه كان يمكن لآخرين أن يفتحوا أفواههم على الأقل ونقصد بذلك إخوان وسلفيي مصر، الذين هم الآن قد تجاوزوا فترة الانتخابات ويسيطرون على مجلس الشعب المصري، وهم سلطة تشريعية، يفترض فيها أنها صوت الشعب المصري، غير المحكومة بالتزامات السلطة التنفيذية، وكان يمكنهم أن يحركوا الشارع المصري ومن ثم العربي، في يوم غضب شعبي مثلاً، على طريقة أيام الجمع المعتادة، تحت شعار _مثلاً _'الشعب العربي يريد نصرة الشعب الفلسطيني' أو 'الشعب يريد حماية غزة من الجبروت الإسرائيلي' وما إلى ذلك.
لكن يبدو أن الإخوان خاصة والإسلاميين عموماً هم في السلطة وعلى أبوابها هم غيرهم في المعارضة، حيث باتوا يحصرون معارضتهم داخل وتحت قبة البرلمان، ويفضلون المعارك الداخلية، ولا يهتمون بالقضايا القومية، حتى لو كان الحديث يدور عن قضية، من قضايا 'عظام الرقبة' مثل قضية غزة.
رد فعل إخوان مصر تجاه ما أثير من خلاف بين دولة الإمارات والشيخ يوسف القرضاوي كان أعمق وأبعد بكثير، فكان تصريح محمود غزلان الناطق الرسمي باسم الإخوان المسلمين مثيراً جداً، ليس لدولة الإمارات بل لكل مهتم ومتابع، لأنه يشبه ردود فعل أنظمة الاستبداد التي سقط بعضها، حين هدد برد ليس فقط من الإخوان ولكن العالم الإسلامي بأسره، تماماً كما كان يهدد صدام حسين أو معمر القذافي أو أي زعيم يملأه شعور الاستكبار والغطرسة، وكأن العالم الإسلامي بأسره بات في جيب الإخوان!
يبدو من رد غزلان على تهديد ضاحي خلفان القائد العام لشرطة دبي بملاحقة القرضاوي قضائياً بما في ذلك الاستعانة بالإنتربول الدولي أن شعور القوة العظمي بات ينتاب الإخوان، هذا من جهة ومن جهة ثانية، يعبر الموقف عن وجود 'مقدسات' سياسية، ذلك انه بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع الموقف الإماراتي أو مع القرضاوي، يبقى القرضاوي رجلاً لا يمكن النظر إليه باعتباره منزهاً أو فوق الشبهات، أو انه فوق القانون، خاصة وان خلفان تحدث عن احتكام للقضاء فيما جرى، هذا إلى جانب ما بات يثير لغطاً وعلى أكثر من جهة من الفتاوى المتلاحقة للشيخ القرضاوي، التي تنطوي على مواقف سياسية، ليس آخرها موقفه من ممارسة دولة الإمارات لسيادتها كدولة على أرضها، وقبلها ما أفتى به من عدم جواز السفر للقدس رداً على مطالبة الرئيس أبو مازن في مؤتمر الدوحة نصرة للقدس بالسفر إليها.
ما لابد من قوله هنا، هو انه ما دام القرضاوي يعلن مواقف سياسية فلا بد من التعامل معها وفق منطق السياسة، وإذا ما كانت هناك تجاوزات قانونية فلا بد من معالجتها قضائياً، والسياسة أياً يكن من يقول بها ليست مقدسة، وتخضع للاجتهاد، ولكل احتمالات الصواب والخطأ.
لا يمكن النظر إلى القرضاوي باعتباره مرشداً روحياً للسنة على شاكلة المرشد الروحي للشيعة علي خامئني، ولا أحد يظن أن الشعوب العربية قد ثارت ضد أنظمة الاستبداد، لتحدث 'ثورة إسلامية' على شاكلة ثورة الخميني، ولا أن أحداً قد خرج للشارع بهدف استبدال نظام استبدادي بآخر، حتى لو كان الفارق غير جوهري أي استبدال نظام حكم الفرد بنظام شمولي، كما حدث في إيران، من إسقاط للشاه وتنصيب المرشد الأعلى، ولا أحد عنده عقل لديه وهم أن العرب بصدد تكرار حكم ولاية الفقيه بالطبعة السنية.
يبدو أن هناك اختباراً حقيقياً لوصول الإخوان إلى السلطة يتمثل، في الكيل في السياسية بمكيالين، وفي نقص هرمون الديمقراطية الداخلية، وعلى عكس نظام الملالي في إيران، ربما يفكرون في إقامة نظام استبداد داخلي لكن غير معاد للغرب ولذا فإن رد فعلهم على كل ما يتعلق بإسرائيل دون توقع الناس ويظل تحت المجهر، وفي الحقيقة فإن تعامل الإخوان مع القرضاوي تحديداً، يمكن أن ينطوي على مفارقة، لم تكن الثورات العربية خاصة في مصر تفكر فيها، وهو المقيم في قطر منذ سنوات طويلة، بما فيها من قواعد أميركية ومن مكتب تمثيل إسرائيلي، ومن مواقف تطبيعية مع إسرائيل، لذا فإن أخطر ما انطوى عليه موقف القرضاوي والذي كان سبباً في رد فعل خليجي عبر عنه أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف بن راشد الزياني، هو محاولة إدارة مؤشر البوصلة نحو بعض دول الخليج العربي، بعد سورية، وحيث يبدو أن الإمارات بما فيها من ثقافة سياسية فدرالية ومن انفتاح عصري ومن ورشة إنتاج ومن فعل ثقافي على المستوى العربي، يختلف عن الثقافة المحافظة التي تنتجها قطر المتحالفة مع الإخوان، وحتى عن الثقافة السلفية التي تنتجها السعودية، حليف السلفيين حتى في مصر.
وتبدو الإشارة مؤشراً على صراع ربما ينشأ في الأيام القادمة، بين أطراف هذا المثلث العربي، ذلك أن يخرج الإعلان المدافع عن القرضاوي من إخوان مصر وليس من دولة قطر بالتحديد، يعني أن هؤلاء ينوون أن يدفعوا بقوة إنجازهم المتحقق في الانتخابات المصرية ليزيد من تأثير الشيخ على القرار القطري، بعد أن ظهر كتابع ومنفذ له في السنوات السابقة، وليشق لهم الطريق أمام الدور الإقليمي في إعادة صياغة المنطقة وفق مصالحهم.