في حمص وغزة: طغاة يسفكون الدماء
تزامنت أوجاع الموت في حمص العربية، مع أوجاع شقيقتها غزة. هما مدينتان زاهيتان عتيقتان، شاهدتان على أحداث جسام عبر التاريخ. الأولى أنجبت للفاتيكان أحد أعز باباواته (أنيكتوس، في أواسط القرن الثاني الميلادي) كما أنجبت لروما أمبراطورة مليحة، هي جوليا دومنا، التي تتسمى باسمها بعض أبرز المرافق السياحية في المدينة ذات الـ 41 حيّا، ونحو مليون وثلث المليون إنسان.
حمص وغزة، تتشابهان في كثير من السمات، ولعل الفارق الأبرز بينهما، أن الثانية تطل على البحر، بينما الأولى تربض على ضفتي نهر العاصي. والمدينتان ارتضتا أن تكونا في موضع الفكاهة، وموضوعاً لتخليق النكات، وإرساء الضحك في القلوب إذ هما ـ في الأصل ـ تعتنقان السعادة، قبل أن تلبد أجواءهما غربان الشوم!
حمص، عُقدة مواصلات رئيسة بين شرقي سوريا وغربيها. وغزة تشكل خاصرة المنطقة، وعنصر التكثيف الأبرز، منذ النكبة، لتاريخ عموم الفلسطينيين، قديمه وحديثه. والمدينتان كانتا مقصد الغزاة والطارئين وشذاذ الآفاق على مر التاريخ.
غزة أنجبت للنظام الإسلامي أبو عبد الله الشافعي، المجدد الإسلامي في القرن الثاني الهجري، ومؤسس علم أصول الفقه. وحمص هي أم هاشم الأتاسي الذي منح سوريا دستورها الذي أكد على قيمة المساواة بين السوريين، على أساس المواطنة، وشدد على عروبة البلاد وتوجهاتها الوحدوية!
* * *
من يزاود الآن على مَن، في سفك دماء الأبرياء: الأسد وشقيقه الفاسق والشبيحة الذين معهما، أم نتنياهو وباراك وجيشهما؟! ربما يمتاز الطرف الثاني بأنه يقتل أعداءه، الذين هم من غير مواطنيه، وأن هذا الطرف الصهيوني يقتل بـ «جرعات» أقل، وأنه يزهق الأرواح بأساليب رقمية وعن بُعد، أما الطرف الأول، فإنه يقتل مواطني بلاده، ويلوغ في الدم، بأساليب يدوية بالسلاح القريب، وأحياناً بالخنق والذبح واستئصال الحناجر والأعضاء!
الطرف المجرم الثاني، وهو الصهيوني، يقتل لصالح مشروع دولة غاشمة، بينما الطرف الأول، المتلطي بالبعث القومي، يقتل لصالح نفسه، لكي يظل يرتع هو ومن هم حوله من شبكة الفساد والعربدة والاستبداد، لامتصاص عافية المجتمع والبلاد. الأول أقام، بخلاف حمص، مذبحة للسوريين في كل أرجاء البلاد، أما الثاني فإنه يركز على غزة، مع استثناءات متباعدة أو متفرقة راهناً!
الطرف الأول يغرق في العار والدم، في ناظر شعبه، ويلقى الرفض. أما الثاني، فإنه يعزف على نغمة تُطرب جمهوره المهووس، ويلقى الرضى، وهو لا يغتصب المحصنات المؤمنات. الطرفان آثمان في ناظرنا، لأنهما مجموعتا طُغاة يسفكون دم الأبرياء. لكنهما على صعيد المفاضلة بينهما، لدى الطرف الثاني، من نقاط السجال، ما يدين به الطرف الأول ويعيبه ويعيّره!
سخيفو المساجلات الفارغة، وهم قلة، يتحدثون عن «مؤامرة» استهدفت «الممانعة» لدى الطرف الأول، وكأن هناك مؤامرة ومطاوعة، أعتى وأقبح من ذبح الناس واغتصاب فتياتهم الصغيرات، والزج بالدبابات صائدة المآذن، لدك البيوت!
في حمص وفي غزة، هناك حقد مصبوب، طائفي قذر في الأولى، وحضاري قومي ديني في الثانية. إن طرفي الحقد المصبوب ناراً على المدينتين، خارجان عن منطق العصر، وعن حومة الآدمية، وعن سياق التاريخ. وحيال هذين الحقدين، يستحث الشعبان، السوري والفلسطيني ضمائر الأحرار، لنصرة الحق والحرية والعدالة!